للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- ومنها ما هو مندوب كقصر المسافر الصلاة بعد استيفاء الشروط المعروفة فإنه رخصة لمشقة السفر وهذا عند الجمهور.

أما الحنفية: فإنهم يرون القصر واجبا في حق المسافر وليس له أن يصلي أربعًا فيكون القصر في حقه عزيمة، فإن سمي رخصة فمن باب المجاز، وذلك حتى لا يلزم الجمع بين متنافيين وهو الأمر المقتضي للوجوب والرخصة التي تفيد الاختيار (١) .

وقد أطال الإمام الشاطبي الكلام حول هذه المسألة ووضع لها افتراضات ورد عليها ولا مجال لذكرها ههنا (٢) .

٣- ومنها ما هو مباح، كالجمع بين الصلاتين في غير عرفة ومزدلفة فإنه رخصة للمكلف عند الجمهور في حالة السفر أو المطر خلافًا للحنفية الذين يمنعون الجمع إلا في مزدلفة (٣) ، وكإباحة السلم الذي هو بيع غائب موصوف في الذمة؛ وحكمه الأصلي: الحرمة بسبب الغرر وهو قائم، ولكن نظرًا إلى حاجة الناس الماسة إلى ثمن الغلات قبل إدراكها أبيح هذا النوع من البيع (٤) .

قال في شرح الكوكب المنير بعد ذكر هذه الأنواع الثلاثة: " وفهم مما تقدم أن الرخصة لا تكون محرمة ولا مكروهة (٥) "، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه)) (٦) .

ونحن وإن كنا نوافقه بأن الرخصة لا تكون محرمة لأن الحرمة تنافي الرخصة وهذا محل اتفاق بين العلماء ولكن لا نوافقه في كون الرخصة لا تكون مكروهة فقد صرح بعض العلماء (٧) أن الرخصة تكون مكروهة واعتبروها – أي الرخصة المكروهة – نوعًا رابعًا من أنواعها.

ومن أمثلتها عندهم: إنشاء السفر فقط من أجل الترخص، أو قصر الصلاة في أقل من ثلاثة مراحل (٨) .

أقول إن التمثيل بهذا الأخير لا يخلو من نظر لأن مسافة القصر عند الجمهور بما فيهم الأئمة الثلاثة – مالك والشافعي وأحمد – أربعة برد وهي مسيرة يوم بالسير الوسط، فالقصر عند هؤلاء لا يصح إن كانت المسافة أقل من ذلك وإن كانت مسيرة يوم فأكثر صح القصر، إذن فلا كراهة إطلاقا عند هؤلاء سواء كانت المسافة أقل من ثلاثة مراحل أو أكثر، وعند الإمام أبي حنيفة وأتباعه، لا تقصر الصلاة في أقل من ثلاثة مراحل، ومعلوم أن المرحلة هي المسافة التي يقطعها المسافر في يومه، فإن قصر في أقل من ثلاثة مراحل لم يصح، فلا أرى وجه الكراهة في هذا المذهب أيضا وكذلك الحال عند الظاهرية القائلين بأن القصر إنما هو في كل سفر سواء كان السفر قريبا أو بعيدًا (٩) .


(١) راجع أصول السرخسي ١ /١٢٢ وكشف الأسرار ٢ /٣٢٤.
(٢) راجع الموافقات ١ /١٩٠.
(٣) راجع نهاية السول ١ /١٩٠.
(٤) راجع أصول السرخسي ١ /١٢١، وكشف الأسرار ٢ /٣٢٢، وهامش المحصول ١ /١٢٢، وأصول الفقه للشيخ أبي زهرة ص ٥٤.
(٥) راجع شرح الكوكب المنير ١ /٤٤١.
(٦) رواه الطبراني والبيهقي وأحمد عن كل من ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وضعفه بعض العلماء؛ راجع فيض القدير ٢ /٢٩٢.
(٧) ذكره البعلي في " القواعد والفوائد الأصولية " ص ١١٨-١١٩، وذكره كذلك السيوطي في كتابه " الأشباه والنظائر " ص ١٧١.
(٨) ذكره الأستاذ القاسمي في بحثه نقلاً عن كتاب الأشباه والنظائر ص ١٧١.
(٩) راجع بداية المجتهد لابن رشد ١ /١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>