للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك نوع خامس من أنواع الرخصة التي هي بخلاف الأولى كالمسح على الخف، وفطر المسافرين في رمضان فإن حكمه الأصلي: الحرمة وسببه: شهود الشهر – وهو قائم – والعذر: مشقة السفر (١) .

وهذا المنهج في تقسيم الرخصة هو منهج الشافعية أو المتكلمين وهو كما نلاحظ يقوم على اعتبار أحكامها الشرعية.

أما الأحناف فإن لهم تقسيما آخر للرخصة حيث تنقسم عندهم إلى أربعة أنواع: نوعان من الحقيقة أحدهما أحق من الآخر.

ونوعان من المجاز أحدهما أتم من الآخر في كونه مجازًا.

أما النوع الأول:

فكما يقول السرخسي: " هو ما استبيح مع قيام السبب المحرم وقيام حكمه جميعًا فهو الكامل في الرخصة مثل المكره على إجراء كلمة الكفر فإن حرمة الشرك قائمة لوجوب حق الله تعالى في الإيمان به، ومع هذا أبيح لمن خاف التلف على نفسه عند الإكراه إجراء كلمة الكفر رخصة له؛ لأن في الامتناع حتى يقتل تلف نفسه صورة ومعنى، وبإجراء الكلمة لا يفوت ما هو الواجب معنى، فإن التصديق بالقلب باق والإقرار الذي سبق منه مع التصديق، فصح إيمانه، واستدامة الإقرار في كل وقت ليس بركن، إلا أنه في إجراء كلمة الشرك هتك حرمة حق الله تعالى صورة، وفي الامتناع مراعاة حقه صورة ومعنى، فكان الامتناع عزيمة، لأن الممتنع مطيع ربه مظهر للصلابة في الدين فيكون أفضل لما فيه من الجهاد، والمترخص بإجراء الكلمة يعمل لنفسه من حيث السعي في دفع سبب الهلاك عنها، فهذه رخصة له، إن أقدم عليها لم يأثم، والأول عزيمة حتى إذا صبر حتى قتل كان مأجورًا " (٢) .

النوع الثاني:

ما استبيح مع قيام السبب المحرم موجبًا لحكمة إلا أن الحكم متراخ عن السبب فلكون السبب القائم موجبًا للحكم كانت الاستباحة ترخصًا للمعذور حقيقة " ولكون الحكم متراخيا عن السبب كان هذا النوع دون الأول (٣) .

مثاله: الصوم في شهر رمضان للمسافر والمريض، فإن السبب الموجب شرعًا للصيام وهو شهود الشهر قائم، لذلك لو أديا الصوم كان المؤدى فرضًا،؛ ولكن الحكم لما تراخى إلى عدة من أيام أخر لم يلزمهما شيء لو ماتا قبل إدراك ذلك، إذ لم يثبت الوجوب عليهما، فلو ثبت للزمهما الأمر بالفدية عنهما؛ لأن ترك الواجب بعذر يرفع الإثم ولكن لا يسقط الخلف وهو القضاء أو الفدية.

والتعجيل بعد تمام السبب مع تراخي الحكم صحيح كتعجيل الدين المؤجل، وحكم هذا النوع: أن الأخذ بالعزيمة أولى لكمال سببه، فمثلاً لو أخذنا بعزيمة الصوم في السفر فإنها تؤدي معنى الرخصة أيضا لتضمنها لسر موافقة المسلمين في الصيام لأن صومه وحده في عدة من ايام أخر – أي بعد مضي شهر رمضان – والعالم كله مفطر فيه مشقة (٤) .


(١) راجع جمع الجوامع مع شرح المحلى ١/ ١٢٣، وهامش المحصول ١ /١٢٢.
(٢) راجع أصول السرخسي ١/ ١١٨.
(٣) المصدر السابق.
(٤) راجع أصول السرخسي ١ /١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>