للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ولأن المشتري اشترط على نفسه بدفع العربون وإقراره، وتعارف الناس على استحقاق البائع ما دفعه له إن نكل عن البيع، وقد روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: " مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرطت" وقال البخاري في باب الشروط في القرض: وقال ابن عمر وعطاء: إذا أحله في القرض جاز (١) .

- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون على شروطهم)) (٢) وفي رواية أخرى ((المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك)) (٣) .

- ولأن واقعة شراء دار صفوان سمع بها الصحابة واطلعوا عليها ولم ينكروها، وهي واضحة في استحقاق البائع مبلغ العربون. ومثله الإجارة، سواء دفع العربون سلفًا أو لم يدفع؛ لأن المشتري أو المستأجر الناكل إنما التزم بدفع العوض، ويصبح دينًا في ذمته، فيستحقه البائع أو المؤجر استحقاقًا شرعيًّا سليمًا.

- ولأن الناكل يعلم سلفًا بأنه يخسر المبلغ الذي يقدمه مع السلعة المردودة عند نكوله، كما ذكر سعيد بن المسيب وابن سيرين وغيرهما، وذلك المبلغ هو العربون، الذي يخسره المشتري أو المستأجر الناكل مقابل نكوله.

- وليس العربون أكلاً لأموال الناس بالباطل، وإنما هو في مقابل ضرر التعطل والانتظار، وتفويت الفرصة في صفقة أخرى، بل هو مشروط سلفًا كما تقدم.

- وليس في بيع العربون غرر؛ لأن المبيع معلوم والثمن معلوم، والقدرة على التسليم متوفرة، أما الغرر الناشئ عن احتمال نكول المشتري عن الشراء فلا يضر؛ لأن البائع يحسب حساب هذا الاحتمال، ولأن هذا الأمر موجود في الخيارات كخيار الشرط وخيار الرؤية ونحوهما. ثم إن الحنابلة الذين أجازوا العربون اشترطوا تقييد الانتظار بزمن، وإلا فإلى متى ينتظر؟!

- قال ابن القيم: والمقصود أن للشروط عند الشارع شأنًا ليس عند كثير من الفقهاء، والالتزام بالشرط كالالتزام بالنذر، بل الشروط في حقوق العباد أوسع من نقص النذر في حق الله، والالتزام به أوفى من الالتزام بالنذر (٤) .

- والخلاصة: إن العربون إما متبرع به البائع أو المؤجر، أو مؤديً بشرط التزمه المشتري أو المستأجر الناكل، أو جزء من الثمن أو الأجرة إن تم العقد.


(١) نيل الأوطار: ٣/ ٤٠٠.
(٢) حديث صحيح كما ذكر السيوطي، أخرجه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة.
(٣) حديث صحيح أيضا كما ذكر السيوطي، أخرجه الحاكم عن أنس وعائشة.
(٤) إعلام الموقعين: ٣/ ٤٠١-٤٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>