للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء من التفصيل في مقاصد (= حكم) العربون:

١- قد يرغب أحد المستهلكين في شراء سلعة، ولا يملك ثمنها كاملاً، فيدفع جزءًا من الثمن للبائع، ويقول له: لا تبع هذه السلعة لغيري، فإن عدت إلى يوم كذا فما دفعته يكون جزءًا من الثمن، وإلا فلك.

٢- قد يجد أحد المشترين سلعة لدى أحد الباعة، ويتردد في شرائها، خشية عدم ملاءمتها جودة أو ثمنًا أو غير ذلك، فإن لم يشترها فربما عاد فلم يجدها، وإن اشتراها على البت فربما لم تعجبه بعد ذلك، أو لم تعجب من اشتراها له، كزوجه أو ولده أو موكله.

فمن أجل الخروج من هذا التردد، يلجأ إلى شرائها بشرط الخيار لنفسه، فإن وافق البائع على الخيار فبها ونعمت، ولكن البائع قد لا يوافق على هذا الخيار بالمجان للمشتري، ولا سيما أن ضررًا قد يصيبه من جراء عدول المشتري عن الشراء، مثل تفويت فرصة بيعها لآخر.

وقد تكون السلعة غير جاهزة، بل سلعة يطلب المشتري تصنيعها أو خياطتها أو غير ذلك، وقد لا يسهل على البائع تصريفها، إذا عدل عنها مشتريها، كأن تكون سلعة خاصة من حيث أوصافها: قياسها، لونها ... إلخ.

ففي مثل هذه الحالات يكون العربون بمثابة تعويض مقطوع للبائع عن العطل والضرر، يتفق عليه المتبايعان، ويقدرانه منذ العقد، ولا يؤخرانه لحين وقوع الضرر الفعلي، فالعربون هو ثمن الخيار، أو ثمن (أو جزاء) حق النكول.

٣- والسلعة إما أن تبقى عند البائع محجوزة لحين عودة المشتري وعزمه على الأخذ أو الترك، أو أن يأخذها المشتري معه، لكي يتفحصها أو يختبرها بنفسه أو بالاستعانة بغيره، أو لكي يعرضها على زوجه أو ولده أو موكله، فيتحقق له بذلك التروي أو المشورة أو التجريب (= الاختبار، القياس) .

وهذا كله بافتراض أن المشتري، إذا أخذ السلعة، ثم ردها، لم تتغير عنده، نتيجة استعمال أو استهلاك أو تلف، فمثل هذا إذا وقع فهو دليل على أن المشتري قد عزم على إمضاء الشراء، ولم يعد له خيار فيه (١) .

حقيقة العربون: هل العربون (عند عدم إمضاء العقد) يعد هبة أم جزاء أم تعويضًا أم ثمن خيار؟

١- في بعض كتب الفقه جاء أن العربون إذا ترك المشتري السلعة فهو هبة ففي مغني المحتاج (٢) هو " أن يشتري ويعطيه دراهم، لتكون من الثمن، إن رضي السلعة، وإلا فهبة ".

وفي روضة الطالبين (٣) : " هو أن يشتري سلعة من غيره، ويدفع إليه دراهم على أنه إن أخذ السلعة فهي من الثمن، وإلا فهي للمدفوع إليه مجانا".

وفي مصنف عبد الرزاق (٤) : " للمالك بغير شيء".

وفي موطأ مالك (٥) : " للمالك بغير شيء".

وفي نيل الأوطار (٦) : " ما دفعه إليه يكون مجانًا ".

وفي المغني (٧) .

٢- وفي بعض الكتب جاء أن العربون " عوض عن انتظار البائع " (٨) .

٣- إذا قيل: إنه هبة فهذا ينطبق في الحالات التي لا يتضرر فيها الطرف الآخر من الطرف الناكل.

وإذا قيل: إنه تعويض عن الضرر فيجب أن يفهم أن الضرر قد يقع وقد لا يقع، وقد يكون مبلغه مساويا لمبلغ العربون أقل أو أكثر وعندئذ يفهم أن التعويض مقدر تقديرًا حكميا لا فعليا. وإذا قيل: إنه تعويض عن الانتظار فهذا قد يكون صحيحًا إذا كان الأمر مجرد انتظار فقط، أي لم يقترن بضرر.


(١) مقالي في مجلة الوعي الإسلامي بعنوان: " بيع العربون: تحليل فقهي "، العدد ٣٠١ لعام ١٤١٠هـ = ١٩٨٩م، ص ٥٢ – ٥٣.
(٢) مغني المحتاج ٢/ ٣٩، الجمل على المنهج ٣ /٧٢.
(٣) روضة الطالبين ٣/ ٣٩٧.
(٤) مصنف عبد الرزاق ٨/ ١٨.
(٥) موطأ مالك ٢/ ٦٠٩.
(٦) نيل الأوطار ٥/ ١٧٣ وانظر روضة الطالبين ٣ /٣٩٩.
(٧) المغني ٤ /٥٨ وانظر تفسير القرطبي ٥ /١٥٠، والمنتقى ٤ /١٥٧.
(٨) المغني ٤ /٥٩ و ٢٨٩، وكشاف القناع ٣ /١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>