للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا قيل: إنه جزاء (= غرامة) أو عقوبة، فربما وجب إثبات الضرر، وتحديد الجزاء في حدود هذا الضرر، أو أعلى منه، لأن مفهوم الجزاء مختلف عن مفهوم التعويض.

ويرى رجال القانون أن العربون هو جزاء النكول.

ولعل العربون هو أقرب إلى الجابر (= التعويض) منه إلى الزاجر (= العقوبة، الغرامة) .

وربما يكون للعربون طبيعة خاصة تجعله مختلفا عن كل ما سبق، فليس هو هبة، ولا جزاء، ولا غير ذلك، وإن كان أقرب إلى بعض هذا من بعض فالعربون جزء من الثمن إذا أمضيت الصفقة وثمن خيار إذا كان هذا الخيار بالعدول عن الصفقة فالعربون لا ينظر إليه فقط عند العدول، مع ما لهذا النظر من أهمية خاصة، بل ينظر إليه أيضا عند الإمضاء، وهذا ما يجعل له طبيعة خاصة متميزة، والله أعلم.

العربون في البيع والإجارة:

قال في كشاف القناع (١) : " أو يستأجر، ويعطي المشتري البائع أو المؤجر درهما، أو أكثر من الدرهم، أو أقل منه، ويقول له: إن أخذته، أي المبيع أو المؤجر، وسواء عين وقتا لأخذه أو أطلق، صححه في الإنصاف، فهو، أي الدرهم، من الثمن أو الأجرة، وإلا أي: وإن لم آخذه فالدرهم لك أيها البائع أو المؤجر، فإن تم العقد فالدرهم من الثمن أو الأجرة وإلا بأن لم يتم العقد فالدرهم لبائع ومؤجر، كما شرطا، لما تقدم.

وإن دفع من يريد الشراء أو الإجارة إليه، أي: إلى رب السلعة، الدرهم أو نحوه، قبل عقد البيع أو الإجارة، وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري، أو لا تؤجرها لغيري، وإن لم أشترها أو أستأجرها فالدرهم أو نحوه لك، ثم اشتراها أو استأجرها منه، وحسب الدرهم من الثمن أو الأجرة، صح ذلك وإن لم يشترها أو يستأجرها فلصاحب الدرهم الرجوع فيه، لأن رب السلعة لو أخذه لأخذه بغير عوض ولا يجوز جعله عوضًا عن إنظاره، لأن الإنظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه ولو جازت لوجب أن يكون معلوم القدر، كالإجارة ".

ليس من العربون:

إذا أعطى المشتري العربون على أنه إن كره البيع استرد المال، وإن أمضى البيع حسب المال من الثمن، فهذا جائز عند الجميع، ولكنه ليس من العربون المختلف في جوازه بين العلماء (٢) .

مدة الخيار في بيع العربون:

قال الزحيلي (٣) : " فهو (أي العربون) بيع يثبت فيه الخيار للمشتري: إن أمضى البيع كان العربون جزءًا من الثمن، وإن رد البيع فقد العربون، ومدة الخيار غير محددة بزمن، وأما البائع فإن البيع لازم له ".

وقال بعض الحنابلة (٤) : " لابد أن تقيد فترة الانتظار بزمن محدد، وإلا فإلى متى ينتظر البائع؟! ".

وسيأتي معنا أن القوانين الوضعية تقيد الخيار بمدة معلومة.


(١) كشاف القناع ٣ /١٩٥، وانظر الإنصاف ٤ /٣٥٨، وعون المعبود ٩ /٤٠٠، والموطأ ٢ /٦٠٩، والمنتقى ٤ /١٥٧- ١٥٨، وحاشية الدسوقي ٣ /٦٣، والخرشي ٥ /٨٧ وتفسير القرطبي ٥ /١٥٠.
(٢) الشرح الكبير ٣ /٦٣ والقوانين الفقهية ص ٦٨٤، القرطبي ٥ /١٥٠، وعون المعبود ٩ /٤٠٠.
(٣) الفقه الإسلامي وأدلته ٤ /٤٤٨.
(٤) غاية المنتهى ٢/ ٢٦، والفقه الإسلامي للزحيلي ٤ /٤٤٨، وانظر المغني ٤ /٥٨، وكشاف القناع ٣ /١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>