للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربون في بعض القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية

نصت المادة ٤٧ من قانون المعاملات المدنية السوداني لعام ١٩٨٤ م (١) على أنه: " لا يجوز دفع العربون ولا استلامه، ومع ذلك إذا قضت المحكمة بنشوء العقد يعتبر كل مبلغ مدفوع جزءًا من المقابل، ولها أن تقضي بأي تعويض تراه عادلاً، نظير أي إخلال بالعقد ".

يبدو أن المذهب المختار للقانون في العربون مطابق للمذهب المختار للدكتور الصديق الضرير، السوداني الجنسية.

تمييز بيع العربون عن معاملات أخرى قريبة:

سنتعرض تحت هذا العنوان إلى أربع معاملات: الإقالة، والتعزير المالي، والبيوع الشرطية الآجلة في المصافق (= البورصات) ، والشرط الجزائي.

١- الإقالة:

الإقالة في اللغة: الرفع والإزالة يقال: أقال الله عثرته: أي رفعه من سقوطه والاستقالة: طلب الإقالة وقد بين بعض العلماء أن الإقالة من القول، والهمزة للسلب، أي: أقال بمعنى: أزال القول، والقول هنا هو القول الأول، أي البيع، كقولنا: أشكاه: أزال شكايته (٢) .

والإقالة في الفقه: رفع (= فسخ) العقد، أي: إلغاء حكمه وآثاره، بتراضي الطرفين يقال: تقايلا البيع: أي فسخاه أو تراداه، فعاد المبيع إلى البائع، والثمن إلى المشتري، إذا ندم أحدهما أو كلاهما.

والإقالة عند بعض العلماء فسخ، وعند آخرين بيع جديد وهي كذلك عند الجميع إذا تمت بثمن جديد أو أجل جديد.

وهي في الشرع مندوبة (= مستحبة) ، إذ قد يندم أحد المتبايعين على العقد، فيستحب للآخر إقالته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أقال مسلمًا (وفي رواية: نادمًا) أقال الله عثرته)) (سنن أبي داود ٣ /٣٧٢، وسنن ابن ماجه ٢/ ٧٤١، وسنن البيهقي ٦ /٢٧، والمستدرك للحاكم ٢ /٤٥ وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) وفي بعض الروايات: ((من أقال أخاه المسلم صفقة كرهها أقال الله عثرته يوم القيامة)) (شرح السنة للبغوي ٨ /١٦١) .

فصورة الإقالة أن يرد المشتري المبيع، أو المستأجر المأجور، ويرد البائع الثمن، أو المؤجر الأجرة، على أن هناك روايات جاءت بلفظ الإقالة، بحيث تقترب من العربون في النهاية، وإن اختلفت عنه في البداية.

فعن ابن سيرين وسعيد بن المسيب: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها، ويرد معها شيئًا قال الإمام أحمد: هذا (أي العربون) في معناه وقد مر هذا في مبحث الآثار.


(١) قانون المعاملات المدنية السوداني لعام ١٩٨٤م.
(٢) شرح فتح القدير ٥ /٢٤٦، وحاشية ابن عابدين ٥/ ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>