للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الصورة من الإقالة أراها جائزة، سواء كان البيع الأول معجلاً أو مؤجلاً إذ لا يخشى فيها ما يخشى في بيوع الآجال (=العينة) فإذا كان البيع بعيرًا معجلاً بدراهم مؤجلة، فإن المشتري قبض بعيرًا، ثم رد بعيرًا ومبلغًا من الدراهم، والبائع لم يقبض شيئًا (لأن الثمن مؤجل) ، بل دفع بعيرًا، ثم استرجع البعير، ومبلغًا نقديًّا، فأين الربا أو شبهته أو ذريعته؟!

ومما يقوي جواز هذه الصورة من الإقالة، واستغراب منعها عند من منعها، أنها ترجع في النهاية إلى أنها بيع جديد فمن باع سلعة بـ ١٠٠، ثم طلب من المشتري الإقالة لقاء ٨ مثلاً، فكأن الإقالة هنا بيع جديد بثمن أقل: ١٠٠- ٨=٩٢.

لكن تخريج هذه الصورة، من الإقالة على أنها بيع جديد، يقضي بنا إلى تخريج بيع العربون على أنه بيعتان في بيعة، أو بيع وشرط، فكأن البائع يتفق مع المشتري، أو يتشارطان، على بيع السلعة بـ ١٠٠، مع إمكان إعادة شرائها بـ ٩٢.

غير أن المشتري ليس ملزمًا بإعادة بيع السلعة إلى البائع، أما البائع فهو ملزم بإعادة الشراء، إذا اختار المشتري ذلك، وما ذلك إلا لأن الخيار معطى هنا للمشترى دون البائع.

فإذا كان العربون للطرفين، فإن كلا منهما يكون ملزمًا بإعادة البيع إذا اختار الطرف الآخر ذلك، بشرط دفع العربون.

ومع ذلك يبقى بيع العربون مختلفًا عن بيعتين في بيعة، لأن فيه خيارًا لأحد الطرفين أو لكليهما، في حين أن في بيعتين في بيعة لا يوجد مثل هذا الخيار ولهذا لا نسلم بما جاء في مقدمات ابن رشد (١) ، من اعتبار كل من " بيعتين في بيعة " و " بيع العربون " على مستوى واحد، وأنهما من الغرر.

٢- التعزير المالي:

التعزير في اللغة معناه: الرد والمنع، والتأديب، ومعناه في الاصطلاح العقوبة غير المقدرة شرعًا (عكس الحد) ، الواجبة حقا لله تعالى، أو لآدمي، في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبا.

أما التعزير بالمال فهو جائز عند بعض العلماء (كأبي يوسف من الحنفية، والشافعي في القديم، والمالكية، وابن تيمية وابن القيم من الحنابلة) ، وغير جائز عند آخرين (كأبي حنيفة، ومحمد، والشافعي في الجديد، والحنابلة) .

وللتعزير المالي أنواع، منها: حبس المال، إتلافه، تغيير صورته، وتمليكه للغير (٢) .

وقد يعتبر العربون، أو الشرط الجزائي (وسيأتي الكلام عنه) ، نوعًا من التعزير المالي، إلا أنهما قد يكونان من الإمام أو من الرعية، أما التعزير فلا يكون إلا من الإمام، أي هما عقوبة مالية، فإذا صدرت من الإمام جاز أن تسمى تعزيرًا.


(١) مقدمات ابن رشد ص ٥٤٨.
(٢) الموسوعة الفقهية الكويتية ١٢ /٢٥٤ و ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>