للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما القول بمنع العربون، باعتباره عوضًا عن انتظار البائع، فهذا يجاب عنه بما يلي:

١- ليس مسلمًا أن العربون هو مجرد تعويض عن الانتظار، فقد يلحق بالبائع ضرر، نتيجة الخيار الممنوح للمشتري.

٢- على فرض أن العربون تعويض انتظار، أو عوض للزمن، فإن هذا العوض ليس مسلمًا أنه حرام نعم هو حرام في القرض، ولكنه جائز في البيع المؤجل، فقد نص الفقهاء على أن للزمن قيمة، ونحن في العربون أمام بيع، لا أمام قرض.

٣- أما أن يكون الانتظار معلوم المقدار (١) ، فهذا مطلب حق ولذلك أجزنا العربون مع تحديد المدة.

أما جعل العربون جزءًا من الثمن، في حال إمضاء العقد، فهذا من باب التسامح، لاسيما وأن مدة الانتظار تكون في الغالب قصيرة: ساعات، أو يوما، أو يومين.

أما الادعاء بأن العربون من باب أكل المال بالباطل فهذا غير مسلم، وذلك لأن المشتري ليس مستعدًّا لدفع مال في مقابل لا شيء، إلا إذا كان غبيًّا، والفرض أنه رشيد.

أما القول بأن في العربون غررًا، فهذا أيضا غير مسلم، وعلى فرض وجوده فهو غرر يسير مغتفر، فالمشتري أمام خيارين: إما أن يمضي الصفقة، ويكون العربون جزءًا من الثمن، وإما أن يجد مصلحته في عدم إمضائها، ولو دفع العربون، إذا يرى أن خسارة العربون أقل من خسارة إمضاء الصفقة.

ومما يقوي مذهب الجواز ثلاثة عوامل أخرى.

١- وجود مذهب فقهي معتبر يجيز العربون، وهو مذهب الإمام أحمد، وقد كان معروفًا بشدة الورع.

٢- احتمال أن المانعين قد منعوه لعدم تقييد الخيار بمدة معلومة، فهذا فيه غرر غير مقبول وربما لو قيد بمدة لأجازه الجميع أو الأكثرون، والله أعلم.

٣- عموم البلوى، فبيع العربون منتشر في القوانين والأعراف التجارية الحديثة ولا أرى جواز بيع العربون كما هو عند الفقهاء فحسب، بل أرى جوازه أيضا كما هو عند رجال القانون أيضا، إذ لا مانع من أن يكون الخيار للطرفين فربما يكون هذا أعدل من أن يكون لطرف واحد وقد تكون عدالته في الحالين واحدة، لأنه خيار بثمن أما لو كان بلا ثمن فنعم يكون لطرفين أعدل منه لطرف واحد.

لكن يجب أن يتنبه أخيرًا إلى أن يكون مبلغ العربون في حدود المعقول، وأن لا تبلغ قيمته حدًّا فاحشًا.


(١) المغني ٤ /٥٩ و ٢٨٩، وكشاف القناع ٣/ ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>