للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكييف الفقهي لبيع العربون:

وأعود إلى كلامي، يتبين من تعريف العربون أنه بيع مستوف لجميع شروطه، يثبت فيه الخيار للمشترى فإذا أمضى البيع - وهذا الخيار يثبت بالشرط ولا يثبت تلقائيًّا، إذا لم ينص فيه لا يثبت – فإذا أمضى المشتري البيع مكان العربون جزءًا من الثمن، وإذا رد البيع فقد العربون؛ فهو خيار شرط يقابله مال في حال الرد، وهذا الخيار للمشتري وحده، أما البائع فإن البيع لازم بالنسبة له، لا يستطيع رده، كما تبين أيضا أنه خيار غير محدد بزمن، هذا التكييف وافقني عليه الزحيلي، الدكتور عبد الله بن منيع ذكر تكييفًا لا أستطيع أن أكيفه ولذلك سأتركه له يكفيه لنا ويشرحه. الدكتور رفيق المصري أطال في ذكر التكييف إلى مسائل طبيعتها قد تكون في غير الموضوع، وسماها مقاصد العربون. فبدأ بقوله:

مقصد العربون في الفقه:

أولاً: إعطاء المشتري أو المستأجر حق النكول إذا بدا له أن الشراء في غير صالحه.

ثانيًا: جبر ضرر البائع أو المؤجر في حدود مبلغ العربون نتيجة نكول المشتري أو المستأجر، فالعربون هو الجزاء أو الثمن الذي يتكبده أحد المتعاقدين نتيجة نكوله، يلاحظ أن الدكتور رفيق يجعل العربون من حق العاقدين: البائع والمشتري، وهذا لا يقول به فقيه من الذين تحدثوا عن بيع العربون، فبيع العربون هو خاص بالمشتري هذا هو رأي القانون، وليس رأي الفقه، ثم أخذ يفصل في هذا الكلام تفصيلاً لا أرى داعيًا لقراءته، وقال في آخره: ولعل العربون هو أقرب إلى الجابر (التعويض) منه إلى الزاجر.

وربما يكون للعربون طبيعة خاصة تجعله مختلفًا عن كل ما سبق، وذكر احتمالات كثيرة، هو هبة ولا جزاء ولا غير ذلك، وإن كان أقرب إلى بعض هذا من بعض، فالعربون جزء من الثمن إذا أمضيت الصفقة، وثمن خيار إذا كان هذا الخيار بالعدول عن الصفقة. فالعربون لا ينظر إليه فقط عند العدول، مع ما لهذا النظر من أهمية خاصة، بل ينظر إليه أيضًا، نحرص على قراءة ما يكتبه الدكتور رفيق لأنه غير موجود معنا. هذا ما يتعلق بالتكييف.

نأتي إلى المشروعية: ورد في حكم بيع العربان حديثان، أحدهما ينهى عنه والآخر يحله، الحديث الذي ينهى عنه هو: عن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان)) . هذا الحديث ضعفه جماعة من رجال الحديث منهم الإمام أحمد، وقال النووي عنه: " مثل هذا لا يحتج به عند أصحابنا، ولا عند جماهير العلماء " والضعف يدخل هذا الحديث من وجهين:

الأول: إبهام الثقة الذي روى عنه مالك.

الثاني: رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

فقد ذهب قوم إلى ترك الاحتجاج بها، بهذه الرواية مطلقًا حيثما ورد؛ منهم: أبو داود، وابن حبان، وابن عدي، وابن معين في رواية عنه، قال ابن حبان: " إن أراد جده عبد الله، فشعيب لم يلقه، فيكون منقطعًا، وإن أراد محمدًا، فلا صحبة له، فيكون مرسلاً ". وعمرو بن شعيب هذا هو عمرو بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. وقال ابن معين عن رواية عمرو بن شعيب: هي كتاب ووجادة، فمن هنا جاء ضعفه لأن التصحيف يدخل على الراوي من الصحف: ولذا تجنبها أصحاب الحديث.

هؤلاء هم الذين ضعفوا هذا الحديث وهذه حجتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>