وصحح هذا الحديث جماعة وقالوا عن المطعن الأول:(رواية إبهام الثقة) قالوا: إن سند الحديث وإن كان ضعيفا لإبهام الثقة الذي رواه عنه مالك إلا أن الحديث في ذاته صحيح؛ لمعرفة هذه الثقة؛ فقد قال ابن عبد البر: إنه ابن لهيعة. وقالوا عن المطعن الثانى _ رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده _ قالوا: إن المراد بجده عبد الله الصحابى؛ لا
محمد التابعى وسماع شعيب عن عبد الله ثابت وهو الذي رباه لما مات أبوه محمد قال في
تدريب الراوى: وذهب آخرون إلى الاحتجاج بها وهم أكثر المحدثين وهو الصحيح المختار. الذي عليه المحققون من أهل الحديث
وقد روي حديث النهى عن بيع العربان من طرق أخرى ذكرها الشيخ أحمد محمد شاكر في شرحه لمسند الإمام أحمد، وصحح الحديث.
أطلت في ذكر هذه المسألة لأن هذا الدليل الذي اعتمدت عليه في رأيي وفي ترجيحي لرأي الجمهور، والحديث كما رأيتم صحيح عند أكثر المحدثين، والإخوة الذين كتبوا في هذا الموضوع ذكروا الحديث أيضا ولكنهم لم ينقلوا لنا إلا روايات التضعيف. ولم يذهبوا إلى أكثر من هذا. فكلهم _ فيما أعتقد_ اعتمدوا على ما في نيل الأوطار.
الحديث الذي يحل بيع العربون هو ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن أسلم:((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العربان، فأحله)) . هذا الحديث مرسل، وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيف، وقال ابن رشد: قال أهل الحديث: ذلك غير معروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البر: لا يصح ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إجازته. ولم أر من صححه، وذكر الإخوة الثلاثة أيضا هذا الحديث، وذكر الدكتور رفيق المصري أنه لم يجد هذا الحديث في مصنف عبد الرزاق، الحديث ورد في نيل الأوطار، واضح من هذا أن حديث زيد لا يجوز العمل به، ولهذا لم يحتج به حتى الإمام أحمد كما سنرى، لأن حديث زيد بن أسلم فيه ما رأينا، وحديث عمرو بن شعيب ورد من طرق أخرى – حتى من غير طريق عمرو – يقوي بعضها بعضا، وقد رجحه وصححه من يعتد به من أهل الحديث. وفي الشوكاني رجح هذا الحديث أيضا ورجحه من جانب آخر فقال: لأنه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة، هذا كلام الشوكاني. وكما قلت لكم: الإخوة ذكروا هذا ولا داعى لقراءة أقوالهم لأنها لا تختلف عما قلته لكم. بعد هذا نأتي إلى رأي الفقهاء.