للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استدل المانعون لبيع العربون، أولا بحديث النهي عن بيع العربون وهذا دليل – كما قلت لكم – دليل قوي لما بيناه من صحة هذا الحديث، وإذا صح الحديث فلا معدل عنه.

الدليل الثانى: في بيع العربون غرر، قال ابن رشد الجد: ومن ذلك أن من الغرر، أي من الغرر المنهي عنه، نهى رسول الله صلى عليه وسلم عن بيع العربون، وقال أيضا: الغرر الكثير المانع من صحة العقد يكون في ثلاثة أشياء أحدهما العقد والثانى أخذ العوضين، والثالث الأجل فيهما أو في أحدهما، فأما الغرر في العقد فهو مثل ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة وعن بيع العربان)) . هذا الغرر فيه يرجع إلى صيغة العقد، لأنه لا يدري هل سيتم هذا البيع أو لا يتم، وقال ابن رشد الحفيد: وإنما صار الجمهور إلى منعه لأنه من باب الغرر والمخاطرة وأكل المال بغير عوض، وقد ورد التعليل بالغرر: وأكل المال بالباطل في كثير من كتب المالكية، وبالغ القرطبي في هذا فقال: إنه من باب بيع القمار، والغرر، والمخاطرة، وأكل المال بالباطل، بغير عوض ولا هبة، وذلك باطل بإجماع. هذا كلام القرطبي.

والغرر متحقق في بيع العربون لأنه بيع مستور العاقبة، وهذا هو ذلك الغرر، لا يدري كل من البائع والمشتري، هل يتم البيع أم لا؟ ومتى يتم إذا تم؟، لأن المدة مجهولة – كما قلت لكم – أما أكل المال بالباطل فمتحقق فيه بصورة واضحة، إذا عدل المشتري لعذر ما، وباع البائع سلعته بالثمن الذي اتفق به مع المشتري، أو أكثر منه، فبأي حق يأخذ هذا العربون الزائد، لا أظن أن هناك خلافا في أن هذه الصورة من أكل المال بالباطل، ولا أعتقد أن الإمام أحمد يجوز مثل هذه الصورة.

وذكر أيضا بعض الفقهاء أدلة أخرى، وأنا يكفيني هذين الدليلين، فقالوا: إن فيه شرطين فاسدين، أحدهما: شرط كون ما دفعه المشتري للبائع يكون مجانا إن اختار ترك السلعة، والثاني: شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع. هذه المسألة تتعلق بالشروط، والرابع: أن بيع العربون بمنزلة الخيار المجهول، وهذا أيضا مهم لأن المشتري اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح، كما لو قال: ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهما، في شرط الخيار العادي، وهذا فيما يبدو، الإخوة الثلاثة الذين بحثوا هذا الموضوع اعتبروا هذا مانعا من بيع العربون، ولهذا جاءت آراؤهم الثلاثة تشترط في بيع العربون ذكر المدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>