للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يعتبر منافذ الاختلاف بيني وبينهم أن بيع العربون المعروف في الفقه الإسلامي لا يجوز، لأن المدة فيه غير محددة، ومن الأدلة التي ذكرها تقريبا كل الإخوة الثلاثة الذين بحثوا الموضوع وإن كان بعضهم ذكرها مجزأة في أماكن مختلفة، والدكتور رفيق المصري كعادته أسهب فيها، وذكر أدلة أخرى، هي في رأيي من قبيل الردود وليست من الأدلة، هو ذكر هذه الأدلة الأربعة وزاد عليها أدلة أخرى، مثلا، ذكر حديث نافع بن الحارث يمكن حمله جمعا بين الآثار على أن شراء دار السجن لعمر قد تم بعد الشرط بعقد مبتدئ، احتسب فيه الدرهم من الثمن، وهذا رد في الواقع وليس من الأدلة، ويقول أيضا: لا يصح من أدلة جعل العربون عوضا عن انتظار البائع، وتأخير بيع السلعة من أجل المشتري، لأنه لو كان عوضا عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء. لأن الانتظار بالبيع لا تجوز المعاوضة فيه، ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار، هذا كلام ابن قدامة في أثناء استدلاله بالأدلة.

ننتقل إلى أدلة المجوزين: استدل المجوزون لبيع العربون أولا بحديث زيد بن أسلم وهذا لم أجده في غير نيل الأوطار، ابن قدامة لم يذكره، وصاحب المقنع أيضا لم يذكره، ولا الإمام أحمد احتج به، احتج بأمر آخر هو الذي سيأتى في الدليل الثانى، مع أن في هذا الحديث المقال الذي ذكرناه مما يدل على أن كل هؤلاء لا يأخذون بهذا الحديث، فلا يجوز الاستدلال به. والدليل الثانى ما روي عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية، فإن رضي عمر، وإلا فله كذا وكذا.

وأحب أن أشير إلى حقيقة هذه العبارة كذلك، ليس فيها تحديد لمدة. قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضى الله عنه، هذا هو كل الدليل من هذا الأثر المروي عن عمر. قال ابن قدامة معلقا على هذا الكلام: وإنما صار أحمد فيه إلى ما روي فيه عن نافع بن عبد الحارث ... وذكر هذا الخبر ثم قال: فأما إن دفع إليه من قبل البيع درهما، وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم أشترها منك، فهذا الدرهم لك، ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدأ وحسب الدرهم من الثمن صح، لأن البيع خلا عن الشرط المفسد، ويحتمل أن الشراء الذي اشتري لعمر كان على هذا الوجه. هذا كلام ابن قدامة، فكأنه يشكك في ما روي، فيحمل عليه جمعا بين فعله وبين الخبر، ويقصد بالخبر الحديث الذي ينهى، وموافقة القياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>