للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتوقف هنا أمام نقطتين:

الأولى: تتعلق بالعربون في الصرف، والثانية: تتعلق بالمواعدة في الصرف بدون عربون، وكلتاهما تعالجان قضية واحدة هي محاولة تغطية مخاطر التذبذب في أسعار صرف العملات الدولية بالنسبة للعملة الوطنية. ورغم أن هذه القضية هامة من الناحية الاقتصادية إلا أنه يجب أن نقرر هنا أن أهميتها لا تبلغ أبدا درجة الضرورة الشرعية، فالعمل التجاري جميعه هو في الحقيقة موازنة بين الأرباح والمخاطر المتوقعة وليس تذبذب أسعار الصرف إلا أحد هذه المخاطر، وما دامت هناك قيود شرعية تمنع جواز العربون في الصرف فلم يبق أمامنا سوى المواعدة في الصرف بدون عربون، لعل فيها حكما شرعيا يمكن المتعاقدين في الدول والمؤسسات الاقتصادية والبنوك الإسلامية من تغطية مخاطر الصرف في معاملاتهم التجارية. ولقد قرأت رأي ابن حزم حول التواعد في الصرف والذي ورد في بحث الشيخ الدكتور علي السالوس، لكننى فهمت من كلام ابن حزم – وهو واضح – أن التواعد ليس بيعا وهو جائز سواء تبايعا بعد ذلك أم لم يتبايعا، لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك. أما الدكتور السالوس فقد اعتبر أن المواعدة في الصرف تأخذ حكم العقد اللازم ولذلك اعتبرها حراما عند ابن حزم نفسه، وابن حزم لم يصرح بذلك بل إن عبارته: (كل ما حرم علينا فقد فصل باسمه) تؤكد أنه لا يريد المعنى الذي ذهب إليه الدكتور السالوس، وعلى كل حال هذه مسألة شرعية أتركها لرجال الاختصاص وهم أنتم، لذلك أتوقع أن يدقق علماؤنا الأفاضل في آراء ابن حزم وإمكانية الاستفادة منها في إجازة التواعد على الصرف في حالة كونه ملزما أو غير ملزم، وفي حالة الإلزام هل يلزم طرفا واحدًا أم طرفين؟ إن المواعدة ليست أكثر من مذكرة تفاهم واحدة تتم على أساسها عقود كثيرة لنقود الصرف، أي تبادل العملات، وبناء على ذلك فمذكرة التفاهم في رأيي لا تعد عقدا في حد ذاتها وإنما هي إطار ينظم العلاقة بين الطرفين بسعر محدد مسبقا، ومذكرة التفاهم هذه يترتب عليها استقرار الأمور الاقتصادية وعلاقات الاستثمار بين المستثمرين (المؤسسات والأفراد) أو بين الدول ذاتها والمستثمرين، فإذا رأى السادة العلماء أن مذكرة التفاهم ليست عقدا وإنما هي إطار عام تتم على أساسه عقود الصرف لاحقا وبدون عربون فإن ذلك سوف يؤدي إلى تيسير كبير خاصة إذا أخذنا بقاعدة (أن الأصل في المعاملات الإباحة، ما لم يرد نص في ذلك) .

وفي الختام أود أن أشير إلى أن بيع الخيارات المعمول به في السوق المالية العالمية المقصود منه المضاربة في سوق المال وليست الرغبة في شراء العملة للحاجة إليها. كما أنه يتضمن تقديم مبلغ العربون، وهذا يعني أن البيع قد تم ولم يتم التقابض، ولذلك فقد قرر المجمع في الدورة الماضية عدم إجازة بيع الخيارات، والصورة التي ذكرتها وهي التواعد على الصرف بدون عربون تختلف عن صورة بيع الخيارات.

والله أعلم وهو الموفق إلى الصواب. وشكرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>