للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبل أن أبدي ملاحظتي أقول: إنى لست متعصبا لمذهب معين وإن كنت مالكيًّا، لأن جميع الأئمة نجلهم ونعترف لهم بجزيل الفضل فجزاهم الله أحسن الجزاء، فكما لا نفرق بين أحد من رسله لا نفرق بين أحد من الأئمة – رحمهم الله – فكلهم على الحق لا خلاف في ذلك. والذي أقول به هو ترجيح ما ذهب إليه الجمهور لمنع بيع العربون، أرجحه لا لأنه رأي الجمهور؛ بل لقوة دليله. وحديث عمرو بن شعيب وإن كان لم يصححه أهل الحديث فإن حديث زيد بن أسلم كذلك ضعف أيضا؛ ذكر ذلك ابن عبد البر في التمهيد والشوكاني في نيل الأوطار وغيرهما. بل إن الشوكاني ذكر أن حديث عمرو بن شعيب ورد من طرق يقوي بعضها بعضا. فعلى أن الحديثين ضعيفان فإن المنع يؤيده الحديث الصحيح، الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر)) وأخرجه مالك مرسلاً عن سعيد بن المسيب، ومعلوم أن مراسيل سعيد بن المسيب صحيحة أخرجه مالك بلفظ ((نهى رسول الله صلى الله عليه عن بيع الغرر)) . ما هو بيع الغرر؟ بيع الغرر هو ما جهلت عاقبته، وما كان مستور العاقبة هو تردد بين السلامة، وقال المازري: وعلة المنع في بيع الغرر أنه من أكل أموال الناس بالباطل على تقدير ألا يأخذ المبيع وهذا طبعا واقع في بيع العربون. وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذه العلة في بيع الثمار فقال: ((أرأيت إن منع الله ثمرة فيم يأكل أحدكم مال أخيه)) ولا خلاف بين الأئمة في منع بيع الغرر إذا كان الغرر فيه ظاهرا يمكن الاحتراز عنه، ذكر ذلك الباجي وابن قدامة في المغني والنووي في المجموع، وقال ابن رشد في المقدمات: ومن ذلك – يعني الغرر المنهي عنه – بيع العربان. وقال الحبيب: ومن الغرر المنهي عنه ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان)) . قال الحبيب: إنما صار الجمهور إلى منعه لأنه من باب الغرر والمخاطرة وأكل المال بالباطل. ذكر ذلك ابن عبد البر في (التمهيد) فقال: إنه من المخاطرة وأكل أموال الناس بالباطل. وقال: إن جميع ما روي في جوازه لم يصح حتى الأثر الذي روي عن عمر – رضي الله عنه – ثم أيضا نحن لا نمانع في قول الإمام أحمد في شيء عمت فيه البلوى لكن الذي عمت به البلوى لا يمت لبيع العربون بصلة إنما هي مواعدة فقط، فالعربون أو العربان الآن الذي يتطلبه أهل الشركات وأهل المؤسسات التي تعرض سلعها للبيع إنما تأخذ من هذا المبلغ لا لبيعه إنما ليكون من جملة الذين لهم الشراء في المستقبل، هذه حقيقة في هذه المسألة لو كان هذا الذي ذكره الإمام أحمد هو الجاري نقول: نعم وأهلا وسهلا، إمام جليل ونحن نتبعه ولا سيما في شيء عمت به البلوى ولكن الذي عمت به البلوى ليس بيع العربون.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الشيخ عبد القادر العماري:

بسم الله الرحمن الرحيم.

لا أريد أن أطيل عليكم. أقول: إن الشيخ الضرير هو أستاذي وهو من هو في العلم إلا أني أختلف معه هنا وأختلف مع من حرموا بيع العربون وأجد نفسي مضطرا أن أبين أن تصحيح عقود المسلمين واجب ما وجدنا إلى ذلك سبيلا، وهو عرف عام في كل البلاد الإسلامية، ونحن هنا أفترض أن القضية أمامي في المحكمة وأنا أعرف أن من قواعد القضاء إذا جاء الخصمان أحدهما يدعي الصحة وأحدهما يدعي البطلان في العقد، ولم تقطع البينتان فالحكم لمدعي الصحة. أرى هنا أن الأدلة متوازنة ولكن مدعو الصحة هم الأولى بالترجيح لأنهم يريدون أن يقروا عقود المسلمين، لذلك أرى أن يرجح جواز بيع العربون، فإذا أجازوا بيع العربون معنى ذلك أنهم اتفقوا مع واقعهم، أما إذا منعوا فهم عزلوا أنفسهم عن مجتمعاتهم وأصبحوا يفتون فتاوى لا تنطبق أبدا مع الواقع. نحن ننظر إلى الأشياء المحرمة تحريما صريحا واضحا فنحرمها، أما الأمور التي اختلف فيها العلماء والتي فيها مجال للأخذ والرد فلا بد على العلماء أن ينحوا نحو الصحة وإلا دفعوا الناس للأخذ بالقوانين الوضعية وتركوا الشريعة كلها.

وأنا أريد من إخواني العلماء أن يتنبهوا لهذه الأمور وأن يأخذوا الأمر بجدية في أنهم ينظرون إلى واقع الناس، ولا أريد أن أطيل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>