للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- مذهب مالك:

المشهور من المذهب: أن بيع البراءة لا يجوز إلا في الرقيق ولا يجوز بغيره. فإذا باع عرضًا أو حيوانا غير رقيق على البراءة من العيوب، ثم اطلع المشتري على عيب قديم فيه، كان له رده ولا عبرة بشرط البراءة. بخلاف الرقيق إذا بيع على البراءة ثم اطلع المشتري على عيب فلا رد له (١) .

وليس للبائع أن يبيع رقيقا على البراءة إلا بشرطين:

١- أن تطول إقامة الرقيق عنده طولا يطمئن فيه لسلامته من العيوب التي تؤثر في رغبة الناس في المبيع.

٢- أن يكون البائع فعلا جاهلا بالعيوب التي تبرأ منها.

والشرط الأول غير معتبر في بيع الحاكم. فللحاكم أن يبيع الرقيق على البراءة بعد موت صاحبه لخلاص الديون أو على المفلس لقضائها.

وكذلك في بيع الوارث إذا كان لخلاص الديون. وأما إذا كان للقسم فخلاف. فظاهر خليل أنه مانع من الخيار للمشتري لقول خليل: ومنع منه بيع حاكم ووارث رقيقا فقط بين أنه وارث. وفهم الباجي أنه ليس بيع براءة.

من المدونة قال مالك: لا تنفع البراءة مما لا يعلم البائع في ميراث أو غيره من السلع والحيوان إلا في الرقيق. قال ابن القاسم وهو الذي به آخذ من قول مالك: وكذا بيع السلطان على المفلس والمغانم وغيرها. قال ابن القاسم: بيع السلطان في الدين وفى المغنم وغيره وبيع الورثة إذا ذكروا أنه ميراث ذلك كله بيع براءة وإن لم يذكروا البراءة (٢) .

وأما الشرط الثاني فهو شرط في بيع الحاكم والوارث وغيرهما. قال المتيطي: فإن علم السلطان بعيب فيما باعه كان للمبتاع رده. قاله مالك في كتاب محمد وكذلك إذا علم به من بيع عليه من مفلس. قال الباجي في شرحه: لأنا قد بينا أنها لا تثبت فيما علم به من العيوب ولا تؤثر فيه (٣) .

والفرق بين بيع الحاكم والوارث وبين بيع الإنسان رقيقه أن يبيعهما محمول على البراءة نص عليه أو لم ينص، بخلاف بيع الإنسان مال نفسه فلا يحمل على البراءة إلا مع ذكرها (٤) .

والقول الثاني أن بيع البراءة ماض في كل شيء، وبه كان يقول مالك ثم رجع عنه إلى القول السابق (حاشية ابن رحال على شرح ميارة) (٥) .

يقول ابن عاصم:

وبعضهم فيها الجواز أطلقا

وهو قول ابن وهب ورواية ابن حبيب عن مالك.

والقول الثالث: أنها لا تجوز في شيء، وذكره القاضي عبد الوهاب.

والقول الرابع: أنها جائزة في الحيوان، عاقلا أو غير عاقل، وهو المذكور في الموطأ ونصه: والأمر المجمع عليه عندنا فيمن باع عبدًا أو وليدة أو حيوانًا بالبراءة من أهل الميراث أو غيرهم. فقد برئ من كل عيب فيما باع. علق عليه الزرقاني بأن أشهب قال لمالك: إنك ذكرت البراءة في الحيوان. قال: إنما أريد العبد ونحو ذلك. فبين مالك أن الحيوان دخل في درج كلامه. قاله أبو عبد الملك.


(١) دسوقي: (٣ / ١١٣)
(٢) التاج والإكليل: (٤ / ٤٣٩)
(٣) العمليات العامة ص١٤٠
(٤) المهدي ج ٢ / كراس ٥٣ / ص ٢
(٥) ج ١

<<  <  ج: ص:  >  >>