للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عبد البر: أفتى به مرة في سائر الحيوان ثم رجع إلى تخصيصها بالرقيق (١) .

والقول الخامس: هو ما جرى به العمل في الأندلس وهو ما نظمه ابن عاصم فقال:

وكل ما القاضي يبيع مطلقًا

بيع براءة به تحققا

والخلف فيما باعه الوصي

أو وارث ومنعه المرضي

فهذا الذي اعتمده ابن عاصم وجعله القول المعتمد، قد اعترضه غير واحد من شراحه وشرح بعضهم لفظه ولم يفنده. قال الشيخ المهدي: ما كان من حق التادوي أن يسلم كلام الناظم بسكوته عنه.

والذي يظهر لي أن القاضي ابن عاصم يرى أن ما تولى الحاكم بيعه فقد اتصل به قضاء. وشأن القضاء أن يكون قاطعًا للخصام، فلهذا رجح أن بيع القاضي هو بيع براءة. وهو الذي عليه العمل في الأندلس الذي التزم به في طالعة التحفة إذ يقول:

فضمنه المفيد والمقرب

والمقصد المحمود والمنتخب

نظمته تذكرة وحين تم

بما به البلوى تعم قد ألم

وحلل كلامه ميارة فقال: نظمته تذكرة وسميته بكذا حين كمل حال كونه ملمًّا أي مشعرًا بما البلوي تعم به القضاة ويتكرر وقوعه لديهم. (٢)

٣-مذهب الشافعي:

القول الأول: أن بيع البراءة يبرأ به البائع إذا باع حيوانًا عاقلًا أو غير عاقل من كل عيب باطن لم يعلمه البائع. فلا يبرأ عن عيب بغير الحيوان كالثياب والدور، ولا عن عيب ظاهر للحيوان علمه أو لم يعلمه. ولا عن عيب باطن للحيوان علمه.

والقول الثاني: أنه يبرأ عن كل عيب أيا كان المبيع عملًا بالشرط.

والقول الثالث: لا يبرأ عن أي عيب للجهل بما تبرأ منه. قال الخطيب: وهو القياس، وإنما ترجح القول الأول اعتمادا على ما أخرجه مالك في موطئه عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة. فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر: بالغلام داء لم تسمه لي. فاختصما إلى عثمان بن عفان، فقال الرجل: باعني عبدا وبه داء لم يسمه. وقال عبد الله: بعته بالبراءة. فقضى عثمان بن عفان على عبد الله أن يحلف له: لقد باعه العبد وما به داء يعلمه. فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبد فصح عنده فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم (٣) .

ووجه الشافعي ذلك بأن الحيوان يتغذى في الصحة والسقم، وتحول طباعه فلا ينفك عن عيب خفي أو ظاهر، فيحتاج البائع لشرط البراءة ليثق بلزوم البيع فيما لا يعلمه من الخفي دون ما يعلمه مطلقًا للتلبيس. وما لم يعلمه من الظاهر لندرة خفائه (٤) .


(١) الزرقاني: (٣ / ١٠٠)
(٢) شرح ميارة على التحفة: ١/ ٧
(٣) الموطأ، باب العيب في الرقيق: ص ٣٧٩
(٤) مغني المحتاج: ٢ / ٥٣

<<  <  ج: ص:  >  >>