للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- مذهب الحنابلة:

روي عن أحمد أنه لا يبرأ من العيب إلا إذا أعلم به المشتري. ونقل عن إبراهيم والحكم وحماد أنه لا يبرأ إلا مما سمى. وقال شريح القاضي: لا يبرأ مما أراه أو وضع يده عليه. وروي عن عطاء والحسن وإسحاق. ووجه هذا القول أنه مرفق من مرافق البيع لا يثبت إلا إذا شرطه. فلا يثبت مع الجهل كالخيار.

وروي عنه أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه. وتوجيهه حديث ابن عمر المتقدم، ولما روت أم سلمة رضي الله عنها: أن رجلين اختصما في مواريث درست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استهما وتوخيا. وليحلل كل منكما صاحبه)) (١) . فبرأ كل واحد منهما صاحبه في مجهول بإذن النبي صلى الله عليه وسلم. فدل ذلك على جواز البراءة من المجهول (٢) .

هذا مختصر لآراء الفقهاء في المذاهب الأربعة.

والذي يترجح أن البائع إذا كان عالمًا بالعيب فإن شرط البراءة لا يرفع حق المشتري؛ لأنه مدلس أكل مال أخيه بالباطل.

وأما إذا كان البائع غير مدلس ولا علم له بالعيب فأعدل الأقوال أن ما باعه الحاكم لا قيام فيه بالعيب. لأن شأن القضاء أن يكون باتًّا. ولأن من أخذ حقه من يد القضاء فهو مطمئن لذلك. فإذا وزع الثمن على الغرماء تصرف كل واحد منهم فيما قبض، فالرجوع بالعيب وإبطال البيع وإلزام الغرماء برد الأثمان التي تصرفوا فيها بوجه مشروع ظلم لهم.

وكذلك الأمر في بيع الوصي مال الموصى عليه للإنفاق لأنه لا يتم إلا بإذن القاضي. وكذلك في بيع الورثة مال مورثهم لقضاء الديون أو لأجل القسم لأنه أن وقع بدون إذن حاكم فإن الشأن فيه أن يحكم به الحاكم إذا وقع خلاف بين المدينين والورثة أو الورثة فيما بينهم فوضعهم مع الخلاف لا يكون أقل من وضعهم مع الاتفاق.

أما ما باعه الشخص مزايدة باختياره فلا ينفعه شرط البراءة إذا اطلع المشتري على عيب.

ثانيا – البيع مع عدم اشتراط البراءة:

إذا اطلع المشتري على عيب بالمبيع ولم يكن البائع قد اشترط البراءة ولم يكن حاكمًا ولا وصيا ولا وارثا فهل يثبت له الخيار؟

١- مذهب الحنفية:

أن العيب هو ما يؤثر نقصًّا في الثمن ولو يسيرًا عند أهل البصر بالمبيع. وسواء كان العيب حاصلا قبل العقد أو حدث عند البائع قبل قبض المشتري للمبيع، وفي هذه الحال فالمشتري بالخيار إن شاء أمسك المبيع وإن شاء رده واسترجع الثمن وذلك بخمسة شروط:

١- أن يكون العيب حدث عند البائع.

٢- أن لا يعلم به المشتري عند البيع.

٣- أن لا يعلم به عند القبض.

٤- أن لا يتمكن من إزالته بلا مشقة. فإن تمكن فلا رد، كإحرام الجارية ونجاسة الثوب الذي لا يفسده الغسل ولا ينقص من قيمته.

٥- أن لا يزول العيب قبل الفسخ ويتحمل المشتري مؤونة الرد (٣) .


(١) أخرجه أحمد مطولا: (٥ / ٣٢٠)
(٢) المغني: (٤ / ١٩٧ –١٩٨)
(٣) البحر الرائق: (٦ / ٣٩ – ٤٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>