للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- مذهب المالكية:

يثبت للمشتري الخيار إذا شرط شرطا فيه غرض، عدمه يترتب عليه نقص في القيمة، وأما إذا شرط شرطًا فيه غرض إلا أنه لا يؤثر في قيمة المشتري ففيه قولان: أحدهما أن له الرد، وثانيهما: أنه إن بين وجهًا كان له الخيار وإلا فلا خيار. أما إذا شرط شرطًا ضمنه له البائع، ولما قبض المبتاع لم يجد شرطه متوفرًا مع أن هذا الشرط لا أثر له لا في القيمة المالية ولا غرضا صحيحا فيه فلا خيار.

كما يثبت الخيار للمشتري إذا وجد نقصًا جرت العادة بالسلامة منه سواء أثر في الثمن كما لو وجد السيارة بدون كابح، أو أثر نقص في المبيع كخصاء العبد، أو نقصًا في التصرف كعسر العبد، أو خوفًا في العاقبة كما إذا كان والد العبد مجذومًا. ومثله الدابة في الأمراض الوراثية (١) .

والعيب الموجب للخيار هو ما كان موجودًا قبل العقد، وأما ما حدث بعد العقد وقبل القبض فمصيبته من المشتري إلا ما تعلق به حق توفية (٢) .

٢- مذهب الشافعية:

إن الخيار يثبت للمشتري إذا اطلع على ما ينقص قيمة أو عينا أو يفوت مقصودًا للمشتري. ويعلم قصده إما بالتنصيص على اشتراطه أو جرى به العرف. ولا يثبت الخيار إلا إذا كان العيب حاصلا عند العقد، أو قبل القبض، ولم يتسبب فيه المشتري.

يقول الشربيني: والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون العيب مما يقدر المشتري على إزالته أو لا. وإذا كان النقص في عين المبيع فإنه لا يوجب الخيار إلا إذا كان النقص يفوت غرضا صحيحًا. أما إذا كان النقص غير معتبر أو تافها فلا خيار. كقطع أصبع زائدة أو جزء يسير من فخذ أو ساق لا يورث شينا. وإذا حدث العيب بعد القبض إلا أن سببه وجد قبل القبض فللمشتري الخيار، ومثلوه بالعبد الذي جنى جناية ثم باعه سيده قبل القصاص. وأما المرض الذي يعقبه الموت. فإن ابتدأه المرض قبل القبض فلا خيار للمشتري لأن الموت ليس سببه بداية الإصابة، ولكن استفحاله إلى درجة يستلم البدن ويعجز عن المقاومة. وهذا الطور غير بداية المرض (٣) .

٤- مذهب الحنابلة:

يثبت الخيار للمشتري إذا اطلع على عيب من العيوب، وهي النقائص الموجبة حطًّا في القيمة المالية للمبيع. والمرجع إلى أهل الخبرة في كل نوع من أنواع المبيعات، وكذلك إذا تشارط المشتري صفة مقصودة له وإن لم يعتبر فقدها عيبا في العرف. فإذا لم تتوفر في المبيع فالمشتري له الخيار. فإن شرط صفة غير مقصودة عرفا فبان المبيع خاليا منها فلا خيار (٤) .

وحاصل الفقه في هذا: أن المشتري إذا اطلع على عيب في المبيع موجودا قبل العقد، باتفاق، أو قبل القبض فيما يتعلق به حق توفيه باتفاق، أو قبل القبض في غيره عند أبي حنفية والشافعي، وكتمه البائع فإنه يثبت له الخيار، إلا في الرقيق عند المالكية، فإنهم يثبتون الخيار من كل عيب في الرقيق حدث خلال الثلاثة أيام التالية للبيع، كما يثبتون الخيار للمشتري من الجنون والجذام والبرص في السنة التالية للبيع. وهو مذهب الفقهاء السبعة، وعمل أهل المدينة. وفي الأيام الثلاثة يستوي في القيام بالرد الحادث والقديم من العيوب وحتى الموت. فقد جاء في المدونة: قلت: وإن غرق فمات أو فقئت عينه قال: قال مالك: دية الجراح للبائع لأن الضمان منه (٥) .

يقول ابن راشد: وعهدة الثلاث عند المالكية بمنزلة أيام الخيار؛ النفقة فيها والضمان من البائع. وأما عهدة السنة فالنفقة فيها والضمان من المشتري إلا من الأدواء الثلاثة. ثم يعمم ابن رشد فيقول: إن عهدة الثلاث عن مالك في الرقيق، وهي أيضا واقعة في أصناف البيوع في كل ما القصد منه المماكسة والمحاكرة وكان بيعا لا في الذمة. وهذا ما لا خلاف فيه في المذهب (٦) وهذا التعميم المذكور في البداية لم أجد أحدا من أهل المذهب يقول به. وقد يكون مما أدخله بعض النساخ في الأصل وذلك أن عهدة الثلاث لا يجوز تعجيل الثمن فيها لأن المبيع لا ينتقل إلى ضمان البائع إلا بعد انقضائها لتردد النقد بين السلف والبيع. فلو عمم لكان البيع الناجز الذي ليس في الذمة لا يجوز تعجيل الثمن فيه

تقدير ما هو عيب: يرجع فيه للعرف العام أو لأهل الخبرة فيما دق، والعيب الذي يقدر المشتري على إزالته بدون نقص للمبيع مختلف في تأثيره. والذي يترجح أن ما كان غير لازم للمعقود عليه ويمكن إزالته بدون ضرر لا يوجب خيارًا. ويرجح جميع المذاهب أنه إذا فقد شرطا لا يحقق غرضًا صحيحًا فالعقد نافذ ولا خيار.


(١) الحطاب: (٤ / ٤٢٩) ، والزرقاني: (٥ / ١٢٣)
(٢) الكافي: (٢ / ٦٢)
(٣) المغني: (٢ / ٥٠-٥٢)
(٤) المغني: (٤ / ١٥٩ – ١٧١)
(٥) المدونة: (٣ / ٣٣٣)
(٦) الهداية: (٧ / ٣٣٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>