للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النجش

نجش ينجش نجشًا من باب نصر. والنجش بالتحريك لغة – نقله الصاغاني. أصل المعنى في إثارة الصيد. أو في مطلق الإثارة. أو فيما يترتب على الإثارة من الجمع، ومنه نجش الإبل: جمعها بعد تفرقة. إلى معان أخرى ذكرها في القاموس وشرحه (١) .

والنجش في البيوع عرف بتعاريف متقاربة: وهو البيع الذي يدخل فيه طرف ثالث ليغري غيره بالشراء فيرتفع ثمنها تبعًا لتدخله. ويتنزل منزلة الناجش صاحب السلعة إذا أخبر بثمن أعلى من الثمن الذي أعطيه، ومثله الدلال الذي يزيد في السلعة على الثمن الذي عرض عليه، أو الوكيل الذي يفعل ذلك. فقد أخرجه عبد الرزاق من طريق عمر بن عبد العزيز أن عاملا له باع شيئا، فقال له: لولا أني كنت أزيد فأنفقه لكان كاسدًا، فقال له عمر: هذا نجش لا يحل. فبعث مناديًا ينادي أن البيع مردود وأن البيع لا يحل (٢) .

فتحصل أن النجش له صور:

١- الأصل أن يأتي طرف ثالث فيزيد في السلعة ليرفع من ثمنها ويغري المشتري بالزيادة.

٢- أن يأتي طرف ثالث يظهر بصره بالسلعة ويمدحها مدحًا يغري المشترين.

٣- أن يزيد صاحب السلعة على الثمن الذي أعطيه ليدلس على من يسومه.

٤- أن يزيد الوكيل أو السمسار زيادة وهمية لم يعرضها أحد.

والأول والثاني هو النجش حقيقة والآخران مقيسان عليه.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش. فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ولا تناجشوا)) (٣) ورد الحديث بصيغة النهي وهي تدل على التحريم. ولذلك قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله.

تحقيق ما هو داخل تحت النهي:

١- مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية إلى أن النجش المنهي عنه هو ما كان غرض الطرف الثالث التغرير بالمشترين لتبلغ السلعة أكثر من ثمن مثلها.

فقد جاء في الفتاوى الهندية: (رجل استام من رجل بثمن مثله فزاد رجل آخر في الثمن لا يريد شراءه، وإنما فعل ذلك ليرغب المشتري في الزيادة. فذلك مكروه وهو النجش المنهي عنه. وإن كان الذي استام يطلب الشراء بأقل من قيمته فلا باس لغيره أن يزيد حتى يرغب المشتري بالزيادة إلى تمام قيمته. وهو مأجور في ذلك – فتاوى قاضيخان - وكذلك إذا أراد الرجل أن يبيع ماله لحاجة فطلب منه بدون قيمته فزاد رجل إلى تمام قيمته فلا بأس بذلك، وهو محمود غير مذموم – كذا في السراج الوهاج (٤) .

ويقول ابن نجيم: (وحديث النهي ((لا تناجشوا)) في الصحيحين، وقيده أصحابنا كما في الجوهرة بما إذا كان السلعة إذا بلغت قيمتها: أما إذا لم تبلغ فلا مانع منه لأنه نفع للمسلم من غير إضرار بأحد) (٥) .


(١) تاج العروس: (١٧ / ٤٠٢)
(٢) فتح الباري: (٥ / ٢٥٨)
(٣) نصب الراية:) ٤ / ٢١)
(٤) الفتاوى الهندية: (٤ / ٢١٠)
(٥) البحر الرائق: (٦ / ١٠٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>