للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- مذهب مالك:

قال مالك في الموطأ: والنجش أن تعطيه بسلعته أكثر من ثمنها. وليس في نفسك اشتراؤها؛ ليقتدي بك غيرك (١) قول مالك: أكثر من ثمنها اختلف في فهمه؛ حمله معظم المتقدمين على أنه أكثر من الثمن المبذول فيها.

وهذا ما ذكره ابن عبد البر، فقد قال في الكافي: (والنجش أن يعطي الرجل في السلعة عطاء ليقتدى به، وهو لا يريدها؛ ليغتر المشتري بذلك. وذلك عند مالك عيب من العيوب) (٢) .

وهو الذي يجب أن نفهم عليه كلامه في التمهيد (٣) . وهو ما ذكره ابن الجلاب في التفريع: ولا يجوز النجش في البيوع، وهو أن يبذل الرجل في السلعة ثمنًا ليغري بذلك غيره ولا رغبة له في شرائها (٤) ، وبه قال المازري: فصفة النجش عند الفقهاء أن يزيد في السلعة ليغتر بها غيره ليشتريها (٥) .

وقال المتيطي: والنجش أن يزيد التاجر ثمن السلعة لا ليريدها لنفسه بل ليغر غيره.

وبمثل هذا الإطلاق جاء نص الجواهر الثمينة ومختصر ابن الحاجب والشامل (٦) .

وحمله ابن عرفة على معنى أكثر من قيمتها. وأشاع تلاميذه ومن جاء بعده هذا الاحتمال كالأبي وابن ناجي والرصاع. حتى أن الأبي غير نص مالك إلى ما فهمه شيخه قال: قلت: قال مالك في الموطأ: والنجش أن تعطيه في سلعته أكثر من قيمتها. مع أن نص مالك هو ثمنها (٧) .وقال الرصاع: قال الشيخ: وكلام المازري أعم من كلام مالك رحمه الله وهو حسن (٨) .

وذهب ابن العربي من المالكية إلى أن الزيادة إذا كانت من الناجش يقصد من ورائها أن تبلغ السلعة قيمتها رفعا للغبن عن البائع فهو مأجور.

فتحصل أن نصوص المالكية تفيد حسب ظاهر كلام مالك ومن جاء بعده أن النجش حرام سواء كان قصده أن تبلغ السلعة قيمتها ونفع البائع دون إضرار بالمشتري، أو كان قصده التغرير بالمشتري والإضرار به.

وأن النجش حسبما فهمه ابن عرفة وتلاميذه من بعده ومن تأثر بهم أن مالكًا يفصل بين أن يكون قصده رفع الغبن عن البائع فهو جائز وأن يكون قصده التغرير فيكون حراما (٩) .

وأن ابن العربي انفرد بأن قاصد رفع الغبن عن البائع مأجور. فهو موافق لمذهب الحنفية.

٣- مذهب الشافعية:

يقول الشافعي: فمن نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بالنهي (١٠) وذكر الشربيني أن شراح كلام النووي: (والنجش بأن يزيد في الثمن لا لرغبة بل يخدع غيره) قد اختلفوا في تحليل قوله: (ليخدع غيره) ، فذهب بعض الشراح إلى أنه لو زاد في السلعة لتبلغ قيمتها بزيادة، أنه جائز، ثم قال: والمتجه التحريم لما فيه من إيذاء للمشتري ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) (١١) وأكد ابن حجر بأن الذي يريد النصيحة له مندوحة عن الزيادة بأن يعلم البائع أن قيمة سلعته أكثر مما أعطي (١٢) .


(١) الموطأ: (٤٢٥)
(٢) الكافي: (٢ / ٨٦)
(٣) (١٣ / ٣٤٨)
(٤) (٢ / ١٦٧)
(٥) المعلم: (٢ / ٩٢)
(٦) الرهوني: (٥ / ١٤٤)
(٧) إكمال الإكمال (٤ / ٨٠)
(٨) شرح حدود ابن عرفة ص ٣٥٦
(٩) شرح حدود ابن عرفة ص ٣٥٦
(١٠) فتح الباري:) ٥ / ٢٥٩)
(١١) المغني: (٢ / ٣٧)
(١٢) فتح الباري: (٥ / ٢٥٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>