للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع: بيوع محرمة تلتبس بـ (بيع المزايدة)

لشدة المشابهة بين بيع المزايدة المشروع مع بعض أنواع من البيع ورد النهي عنها، ولصعوبة التفرقة بينها أحيانا – نتج عن هذا لبس لدى بعض العلماء فذهبوا إلى عدم مشروعية بيع المزايدة، أو كراهته كما سبق عرضه سابقا، فمن ثم استوجب البحث عرض هذه الأنواع بتفسيراتها، وتعليلاتها، والمقارنة بينها وبين (بيع المزايدة) المشروع ليتضح عنصر التحريم فيها، ويميز (ببيع المزايدة) منها.

أولا: بيع الرجل على بيع أخيه.

ثانيا: سوم الرجل على سوم أخيه.

ترجم الإمام البخاري في صحيحه بابًا بعنوان: "باب لا يبيع الرجل على بيع أخيه حتى يأذن، أو يترك " وأورد تحته حديثين بسنده:

الأول: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبيع بعضكم على بيع أخيه)) (١) .

والآخر: " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها" (٢) .

يقول العلامة ابن حجر: " أشار (في العنوان) بالتقييد إلى ما ورد في بعض طرقه" (٣) .

وقد روى هذا الحديث أيضا مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: "لا يبع بعضكم على بيع بعض"، وعنه أيضا: "لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته إلا أن يأذن له ".

وفي التفسير (البيع على البيع) يقول العلامة أبو عبد الله محمد بن خلفة الوشتاني الأبي المالكي: "البيع على البيع حقيقة إنما هو إذا انعقد الأول، ولما تعذرت الحقيقة حمل على أقرب المجاز إليها، وهي المراكنة، وإذا كانت العلة ما يؤدي إليه من الضرر فلا فرق بين السوم على السوم، والبيع على البيع في الصور التي ذكر، وهو أن يعرض بائع سلعته على مشتر راكن للأول، وكثيرا ما يفعله أهل الأسواق اليوم، يراكن صاحب الحانوت المشتري فينشر جاره بحانوته سلعة نظيرها بحيث يراها المشتري" (٤) .

ويوضح العلامة بدر الدين العيني صورة البيعين كالتالي:

"... لا يبيع على بيع أخيه: وهو أن يقول في زمن الخيار: افسخ بيعك وأنا أبيعك مثله بأقل منه".

ويحرم أيضا الشراء: بأن يقول للبائع افسخ، وأنا أشتري بأكثر منه.

(قوله: ولا يسوم على سوم أخيه) هو السوم على السوم، وهو أن ينفق صاحب السلعة والراغب فيها على البيع، ولم يعقداه، فيقول آخر لصاحبها: أنا أشتريها بأكثر، أو للراغب: أنا أبيعك خيرا منها بأرخص، وهذا حرام بعد استقرار الثمن (٥) .


(١) (١ –٢) صحيح البخاري بشرح فتح الباري (٤ / ٣٥٢ – ٣٥٣) ، باب ٥٨، حديث رقم ٢١٣٩ - ٢١٤٠
(٢) (١ –٢) صحيح البخاري بشرح فتح الباري (٤ / ٣٥٢ – ٣٥٣) ، باب ٥٨، حديث رقم ٢١٣٩ - ٢١٤٠
(٣) فتح الباري، (٤ / ٣٥٣)
(٤) إكمال إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، (بيروت: دار الكتب العلمية) ، (٤ / ١٧٨)
(٥) عمدة القاري، (١١ / ٢٥٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>