للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر العلامة أبو عمر بن عبد البر موقف مالك وأصحابه المتفق مع تفسيرات جمهور العلماء لهذه الأنواع من البيوع قائلا:

"قال أبو عمر: ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وغيره: لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا بيع الرجل على بيع أخيه، ولا يسم على سومه، عند مالك وأصحابه، معنى واحد وهو:

أن يستحسن المشتري السلعة ويهواها، ويركن إلى البائع ويميل إليه، ويتذاكران الثمن، ولم يبق إلا العقد والرضى الذي يتم به البيع، فإذا كان البائع والمشتري على مثل هذه الحالة لم يجز أحد أن يعترضه، فيعرض على أحدهما ما به يفسد به ما هما عليه من التبايع، فإن فعل أحد فقد أساء، وبئسما فعل.

فإن كان عالما بالنهي عن ذلك فهو عاص لله، ولا أقول من فعل هذا حرم بيع الثاني، ولا أعلم أحدا من أهل العلم قاله إلا رواية عن مالك بذلك قال: لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ومن فعل ذلك فسخ البيع ما لم يفت، وفسخ النكاح قبل الدخول...، وقال الثوري في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبع بعضكم على بيع بعض)) : أن يقول عندي ما هو خير منه.

وأما الشافعي فقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبع بعضكم على بعض)) معناه عنده: أن يبتاع الرجل السلعة فيقبضها، ولم يفترقا وهو مغتبط بها غير نادم عليها، فيأتيه قبل الافتراق من يعرض عليه مثل سلعته، أو خيرا منها بأقل من ذلك الثمن فيفسخ بيع صاحبه؛ لأنه له الخيار قبل التفرق فيكون هذا فسادا...، ولا خلاف عند الشافعي وأبي حنفية أن هذا العقد صحيح، وإن كره له ما فعل، وعليه جمهور العلماء.

ولا خلاف بينهم في كراهة بيع الرجل على بيع أخيه المسلم، وسومه على سوم أخيه المسلم، ولم أعلم أحدا منهم فسخ بيع من فعل ذلك إلا ما ذكرت عن بعض أصحاب مالك بن أنس، ورواه أيضا عن مالك، وأما غيره فلا يفسخ البيع عنده، لأنه أمر لم يتم أولا، وقد كان لصاحبه أن لا يتمه إن شاء .... (١) .

وهذه جميعها وإن اختلفت تصويرًا، ولكنها تندرج معنى تحت مسماها.

والحكم فيها جميعا عدم الجواز، ذلك لأن البيع الثاني أو السوم الثاني ورد بعد استقرار الثمن، واتفاق المتبايعين، ولم يتبق إلا أن يأخذ العقد شكله الأخير، أما بيع المزايدة فالمشتري الثاني يزيد في السعر، ولما يرتض صاحب السلعة الثمن علانية، أو يركن إليه، فمن ثم اكتسبت المنافسة بالزيادة في العطاء الجواز والصحة (٢) .


(١) التمهيد: (١٤ / ٣١٧ – ٣١٨)
(٢) انظر: العيني، عمدة القاري، (١١ / ٢٥٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>