للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الصور الحديثة الشائعة لبيع الرجل على بيع أخيه، ويمثل ظاهرة اجتماعية سيئة بين التجار: عندما يظفر البعض بوكالة بيع البضائع ذات الماركات الناجحة الرائجة في الأسواق المحلية أو العالمية، وتوزيعها، فيثير هذا منافسة غير شريفة من بعض التجار، تدفعه إلى مفاوضة مصدر تلك البضاعة، لإغرائه بسحب وكالة البيع والتوزيع عن التاجر الأول، في مقابل عمولة أقل، وتوزيع أعلى، وهو بهذا التصرف ينطبق عليه النهي في الحديث (لا يبيع الرجل على بيع أخيه) ، الأمر الذي يتنافى ومبادئ الشريعة الإسلامية وأخلاقياتها المستقيمة.

ثالثا: النجش: حالة طارئة، وظاهرة من مظاهر أسواق المزاد، حيث يعتمد هذا النوع من البيع على الناجش الذي يمارس أسلوبا لإثارة رغبات المزايدين للسلعة المعروضة في المزاد، متظاهرًا بالحرص على اقتنائها، وهو ليس راغبا فيها. فهو لا يفتأ يحمدها، ويزيد من ثمنها، ليستثير رغبات الآخرين، فيندفعوا في المزايدة، ومضاعفة السعر، ثم ينسحب الناجش في مرحلة من مراحل المزايدة فيرسو العطاء على أحد المزايدين المغرورين، هذا هو المعنى لغة من كلمة (النجش) ففي الزاهر: أصل النجش مدح الشيء، وإطراؤه..، وفي الجامع: أصله من الختل، يقال نجش الرجل: إذا اختل، ويقال: أصل النجش: الإثارة، وسمي الناجش ناجشًا؛ لأنه يثير الرغبة في السلعة، ويرفع ثمنها" (١) .

وقد ثبت تحريم هذا بالأحاديث الصحيحة:

روى البخاري بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه ((قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها)) (٢) .

كما خصه الإمام البخاري بعنوان مستقل (باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع: وقال ابن أبي أوفي: ((الناجش آكل ربا خائن، وهو خداع باطل لا يحل...)) (٣) .

وجرى شرعا تعريفه بأنه:

"الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، سمي بذلك لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة، ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الإثم، ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش، وقد يختص به البائع: كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك...".


(١) العيني، عمدة القاري، (١١ / ٢٥٩)
(٢) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (٤ / ٣٥٣، ٣٥٥)
(٣) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، (٤ / ٣٥٣ – ٣٥٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>