للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعلق العلامة أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي على قول صاحب الهداية (ولا بأس ببيع من يزيد) قائلا:

"وهو صفة البيع الذي في أسواق مصر المسمى بالبيع في الدلالة" (١) .

ويتجه هذا الاتجاه أحكاما وتعليلا العلامة فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي في شرحه لمتن كنز الدقائق عند قوله: (وكره النجش، والسوم على سوم غيره) والاستدلال لكراهتها قائلا:

"...... وإنما يكره النجش فيما إذا كان الراغب في السلعة يطلبها بثمن مثلها، وأما إذا طلبها بدون ثمنها فلا بأس بأن يزيد إلى أن تبلغ قيمتها، وكذا السوم إنما يكره فيما إذا جنح قلب البائع إلى البيع بالثمن الذي سماه المشتري، أما إذا لم يجنح قلبه ولم يرضه فلا باس لغيره أن يشتريه بأزيد؛ لأن هذا بيع من يزيد، وقد قال أنس: إنه عليه السلام باع قدحًا وحلسا فيمن يزيد، رواه أحمد والترمذي، ولأنه بيع الفقراء، والحاجة ماسة إليه" (٢) .

وقد أضاف الإمام محمود العيني إلى التعليل السابق قوله: " وتوارثها الناس في الأسواق" (٣) .

ويذهب نفس المذهب جمهور فقهاء الحنفية، وتتفق الآراء احكاما وتعليلا، يقول الإمام علاء الدين الكاساني في المقارنة بين بيع المستلم على سوم أخيه، وبيع من يزيد قائلا في معرض حديثه عن البيوع المكروهة:

"ومنها بيع المستام على سوم أخيه، وهو أن يساوم الرجلان: فطلب البائع بسلعته ثمنًا ورضي المشتري بذلك الثمن، فجاء مشتر آخر، ودخل على سوم الأول فاشتراه بزيادة، أو بذلك الثمن، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يستام الرجل على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه...)) والنهي لمعنى في غير البيع، وهو الإيذاء، فكان نفس البيع مشروعا، فيجوز شراؤه، ولكنه يكره، وهذا إذا جنح البائع بالثمن الذي يطلبه المشتري الأول، فإن كان لم يجنح فلا بأس للثاني أن يشتريه؛ لأن هذا ليس استيامًا على سوم أخيه، فلا يدخل تحت النهي، ولانعدام معنى الإيذاء أيضا، بل هو بيع من يزيد، وإنه ليس بمكروه لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا له ببيع من يزيد، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيع بيعا مكروها" (٤) .


(١) شرح العناية على الهداية، الطبعة الأولى مع شرح فتح القدير، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، عام ١٣٨٩ هـ / ١٩٧٠ م) ، (٦ / ٤٧٩)
(٢) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الطبعة الثانية بالأوفست، مصورة عن الطبعة الأولى، (بيروت: دار المعرفة) ، (٤ / ٦٧)
(٣) البناية في شرح الهداية، الطبعة الأولى، تصحيح المولوي محمد بن عمر الشهير بناصر الإسلام الرامفوري، (بيروت: دار الفكر، عام ١٤٠١ / ١٩٨١ م) ، (٦ / ٤٦٩)
(٤) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الطبعة الثانية، (بيروت: دار الكتب العلمية، عام ١٣٩٤ / ١٩٧٤) ، (٥ / ٢٣٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>