للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكر العلامة أبو عبد الله محمد الحطاب مذهب جمهور فقهاء المالكية حكم إلزام المزايد بما زاد، والأحوال التي ينقض فيها ذلك الالتزام بقوله:

" فتحصل من كلام ابن رشد، والمازري، وابن عرفة في بيع المزايدة: أن كل من زاد في السلعة فلربها أن يلزمه إياها بما زاد، إلا أن يسترد البائع سلعته، ويبيع بعدها أخرى، أو يمسكها حتى ينقطع مجلس المناداة، إلا أن يكون العرف اللزوم بعد الافتراق، أو يشترط ذلك البائع فيلزم المشتري البيع بعد الافتراق في مسألة العرف بمقدار ما جرى به العرف، وفي مسألة الشرط في الأيام المشروطة، وبعدها بقرب ذلك على مذهب المرونة، فإن شرط المشتري أنه لا يلزم البيع إلا ما دام في المجلس فله شرطه، ولو كان العرف بخلافه..." (١) .

المبحث الثالث: مذهب الشافعية

ذهب الشافعية إلى ما ذهب إليه الحنفية والمالكية من مشروعية بيع المزايدة... وهو المدون في كتب المذهب المعتمدة. ويأتي التعرض له في المقارنة بينه وبين بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سوم أخيه لبيان أسباب النهي في هذين النوعين، ومخالفة بيع المزايدة لهما في سبب النهي. فمن سياق ما يستفاد من حديث النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "وهذا يدل على أنه إنما ينهى عن البيع على بيع الرجل إذا تبايع الرجلان، وقبل أن يتفرقا، فأما في غير ذلك الحال فلا" (٢) .

وقد وفى الإمام الماوردي المقارنة حقها في وضوح تام إذ خصها بفصل مستقل في كتابه (الحاوي الكبير) فقال:

"فصل: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه، وصورة سوم الرجل على سوم أخيه أن ينزل الرجل في السلعة ثمنا فيأتي آخر فيزيد عليه في ذلك الثمن قبل أن يتواجبا البيع، فإن كان هذا في بيع المزايدة جاز؛ لأن بيع المزايدة موضوع لطلب الزيادة، وأن السوم لا يمنع الناس من الطلب، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا فيمن يزيد، وابتاع ثوبا مزايدة.

فأما إن لم يكن بيع مزايدة، وكان بيع المناجزة فلا يخلو حال بائع السلعة حين بذل له الطالب الأول ذلك الثمن من ثلاثة أحوال:

إما أن يقول: قد رضيت بهذا الثمن، أو يقول: لست أرضي به، أو يمسك. فإن قال: قد رضيت بهذا الثمن، حرم على غيره من الناس أن يسوم عليه، وإن لم ينعقد البيع بينهما؛ لما في ذلك من الفساد، وإيقاع العداوة والبغضاء، مع النهي الوارد عنه نصا.

وخالف بيع المزايدة؛ لأن المساوم فيه لا يتعين، ولذلك قال أصحابنا: لو أن رجلا وكل في بيع عبده في مكان، فباعه الوكيل في غير ذلك المكان؛ صح البيع، ولو وكل في بيعه من رجل فباعه من غير ذلك الرجل لم يصح البيع، لأنه قد يريد بيعه على ذلك الرجل مسامحته فيه، أو تلميكه إياه فلم يكن للوكيل تمليك غيره، وليس كذلك إذا أذن له في بيعه في مكان فباعه في غيره؛ لأنه لا غرض له فيه غير وفور ثمنه، فإذا حصل له غيره صح البيع.

كذلك في السوم إن كان في المزايدة لم يحرم؛ لأن الغرض وفور الثمن دون تعيين الملاك، وفي بيع المناجزة قد يكون له غرض في تعيين الملاك" (٣) .


(١) مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل، الطبعة الأولى، (مصر: مطبعة السعادة، عام ١٣٢٩) ، ٤ / ٢٣٩، وانظر أيضا، حاشية الإمام الرهوني، (مصر: دار الفكر) ، ٥ / ١٩
(٢) الأم، تحقيق محمد زهري النجار، (مصر: مكتبات الكليات الأزهرية) ، ٣ / ٩٢
(٣) كتاب البيوع من الحاوي الكبير، دراسة وتحقيق محمد مفضل مصلح الدين، رسالة مقدمة إلى قسم الدراسات العليا الشرعية لنيل درجة الدكتوراة في الفقه – جامعة أم القرى عام ١٤٠٨ / ١٩٨٨، المجلد الثاني، ص ١١٨٦ – ١١٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>