وعلى أساس هذه المبادئ حكم فقهاء الصحابة والتابعين وقضاتهم بالضمان على من أضر الآخر بفعله، وإن أقضيتهم وفتاواهم في هذا الباب كثيرة يمكن مراجعتها في كتب الحديث.
وفي ضوء هذه المبادئ والأقضية والفتاوى، استخلص الفقهاء المتأخرون قواعد فقهية في هذا الباب، وأرى من المناسب أن أذكر هذه القواعد بشيء من شرحها، وكيفية تطبيقها على حوادث المرور.
قواعد فقهية تتعلق بالضرر والضمان
القاعدة الأولى: المرور في طريق العامة مباح بشرط السلامة:
هذه القاعدة ذكرها غير واحد من الفقهاء. وحاصلها أن السير في طريق العامة حق لكل إنسان ولكن استعمال هذا الحق مقيد بأن لا يحدث ضررا بغيره فيما يمكن التحرز عنه. وقال العلامة خالد الأتاسي رحمه الله:
"والأصل أن المرور في طريق المسلمين مباح بشرط السلامة، بمنزلة المشي؛ لأن الحق في الطريق مشترك بين الناس، فهو يتصرف في حقه من وجه، وفي حق غيره من وجه، فالإباحة مقيدة بالسلامة.
وإنما تقيدت بها فيما يمكن التحرز عنه، دون ما لا يمكن التحرز عنه، لأنا لو شرطنا عليه السلام عما لا يمكن التحرز عنه، يتعذر عليه استيفاء حقه، لأنه يمتنع عن المشي والسير مخافة أن يبتلى بما لا يمكن التحرز عنه. والتحرز عن الوطء والإصابة باليد أو الرجل، والكدم، وهو العض بمقدم الأسنان، والخبط وهو الضرب باليد، والصدم، وهو الضرب بنفس الدابة وما أشبه ذلك في وسع الراكب إذا أمعن النظر في ذلك، وأما ما لا يمكن التحرز عنه كما إذا نفحت برجلها، يعني ضربت بحافرها أو ذنبها، فلا تضمن" (١) .
(١) شرح مجلة الأحكام العدلية للأتاسي: ٣ / ٤٩٤، مادة (٩٣٢)