للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفقه الإسلامي يتفق في كثير من مسائله مع ما هو مقرر في الفقه الوضعي، إلا أن ما يصيب الإنسان في ماله يبحث فيه في باب الإتلاف، أو ما يصيب الشخص في نفسه وبدنه؛ فيبحث فيه في باب الجنايات والديات.

قال في مجمع الضمانات: الجناية اسم لما يجتنيه المرء من شرٍّ اكتسبه، وفي الشرع اسم لفعل محرم سواء كان في مال أو نفس، لكن في عرف الفقهاء يراد بإطلاق اسم الجناية فعل محرم في النفس والأطراف (١) .

أركان المسؤولية في حوادث السير:

بينا أن أركان المسؤولية في الفقه الوضعي والقوانين بصفة عامة هي: الخطأ، والضرر، والعلاقة أو الرابطة السببية.

وفي الفقه الإسلامي يشترط تحقق هذه الأركان:

الركن الأول – الخطأ:

وتعريفه في القانون بأنه إخلال بالتزام قانوني، والالتزام القانوني الذي يعتبر الإخلال به خطأ في المسؤولية التقصيرية، هو الالتزام ببذل عناية بأن يصطنع الشخص في سلوكه اليقظة والتبصر حتى لا يضر بالغير، فإذا انحرف عن هذا السلوك كان هذا الانحراف خطأ يستوجب مسؤولية تقصيرية (٢) .

وعرف الفقهاء الخطأ بأنه فعل يصدر من الإنسان بلا قصد إليه عند مباشرة أمر مقصود سواه (٣) .

ويعرفه الكمال بن الهمام بأن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية (٤) .

وحكم الخطأ في الشريعة الإسلامية بالنسبة لحقوق العباد أنه لا يسقط بالخطأ بل يجب ضمان المتلفات والديات وكل ما يتعلق بحقوق العباد، ولكن لا يجب القصاص؛ كما لو رمى إنسانا على ظن أنه صيد فقتله (٥) .وقد اعتبر الفقهاء حوادث الطريق من قبيل الخطأ، يقول ابن قدامة في شرحه على قول المتن: "وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا فعلى عائلة كل واحد منهما دية الآخر" قال: ولا يجب القصاص سواء كان اصطدامهما عمدا أو خطأ؛ لأن الصدمة لا تقتل غالبا، فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ، وكذلك الحكم في اصطدام السفينتين، وكذلك بالنسبة لاصطدام الفارسين.

قال عند تعليقه على المتن: "وإذا اصطدم الفارسان فماتت الدابتان ضمن كل واحد منهما قيمة دابة الآخر".


(١) حاشية رد المحتار ٦ / ٥٢٧، مجمع الضمانات للبغدادي ص ١٦٥
(٢) الوسيط ١ / ٧٧٧، ٧٧٩
(٣) التلويح: ٢ / ١٩٥، الموسوعة الفقهية، مصطلح (خطأ) : ١٩ / ١٢٩
(٤) تيسير التحرير: ٢ / ٣٠٥
(٥) الموسوعة الفقهية، مصطلح (خطأ)

<<  <  ج: ص:  >  >>