للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وجملته أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ما تلف من الآخر من نفس أو دابة أو مال، سواء كانت الدابتان فرسين أو بغلتين أو حمارين أو جملين، أو كان أحدهما فارسا والآخر غيره، سواء كانا مقبلين أو مدبرين، ويتفق معه في ذلك الشيرازي من الشافعية في المهذب (١) . وللمالكية تفصيل، حيث حملوا تصادم السفينتين إذا تصادمتا وجهل الحال على عدم المقصد من رؤسائهما، فلا قود ولا ضمان؛ لأن جريهما بالريح من عمل أربابهما كالعجز الحقيقي بحيث لا يستطيع كل منهما أن يصرف دابته أو سفينته عن الآخر؛ فلا ضمان بل هو هدر. لكن الراجح أن العجز الحقيقى في المتصادمين فيه ضمان الدين في النفس، والقيمة في الأموال، بخلاف السفينتين فهدر، وحملا عليه عند جهل الحال، وأما لو قدر أهل السفينتين على الصرف ومنعهم خوف الغرق أو النهب أو الأسر، حتى أهلكت إحدى السفينتين الأخرى؛ فضمان الأموال في أموالهم والدية على عواقلهم، لأنهم لا يجوز لهم أن يسلموا بهلاك غيرهم (٢) .

فإذا انتفى الخطأ فلا مسؤولية، كما إذا كان أحدهما واقفا والآخر يسير فصدم الواقف فلا شيء على الواقف والضمان على الصادم، فإذا مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته. أما إذا كان الواقف متعديا بوقوفه، مثل أن يقف في طريق ضيق، فالضمان عليه دون السائر لأن التلف حصل بتعديه (٣) .

وتحقيق ذلك كما قاله السرخسي في المبسوط: هو أن السير على الدابة في الطريق العام مباح مقيد بشرط السلامة بمنزلة المشي، فإن الحق في الطريق العام لجماعة المسلمين، وما يكون حقا للجماعة يباح لكل واحد استيفاؤه بشرط السلامة، لأنه حقه في ذلك يمكنه من الاستيفاء، ودفع الضرر عن الغير واجب عليه، فيقيد بشرط السلامة ليعتدل النظر من الجانبين، ثم إنما يشترط عليه هذا القيد فيما يمكن التحرز عنه دون ما لا يمكن التحرز عنه؛ لأن ما يستحق على المرء شرعا يعتبر فيه الوسع، ولأنا لو شرطنا عليه السلامة عما لا يمكن التحرز عنه تعذر عليه استيفاء حقه لأنه يمتنع من المشيء والسير على الدابة مخافة أن يقتل بما لا يمكن التحرز عنه، فأما ما يستطاع الامتناع عنه لو شرطنا عليه صدق السلامة من ذلك لا يمتنع عليه استيفاء حقه وإنما يلزم منه نوع احتياط في الاستيفاء (٤) .


(١) المغني ٩ / ١٧٣ – ١٧٥، المهذب ٢ / ١٦٤
(٢) حاشية الصاوي على أقرب المسالك (٤/ ٣٤٦)
(٣) المغني: ٩ / ١٧٩؛ المهذب ٢ / ١٦٤
(٤) المبسوط ٢٦ / ١٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>