ويستدل الفقهاء على مشروعية التعزير للمصلحة العامة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حبس رجلا اتهم بسرقة بعير، ولما ظهر فيما بعد أنه لم يسرقه أخلى سبيله، ووجه الاستدلال أن الحبس عقوبة تعزيرية، والعقوبة لا تكون إلا عن جريمة وبعد ثبوتها، وقد يحتج بذلك على السجن خلال التحقيق ليتبين صحة التهمة من عدمها.
ويستدلون أيضا بما فعل عمر رضي الله عنه عندما نفى نصر بن حجاج خشية افتتان النساء به، ونظرية التعزير للمصلحة العامة تسمح باتخاذ أي إجراء لحماية أمن الجماعة وصيانة نظامها من الأشخاص المشبوهين والخطرين ومعتادي الإجرام، ودعاة الانقلابات والفتن، والنظرية بعد ذلك تقوم على قواعد الشريعة العامة التي تقضي بأن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام، وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف (١) .
لا ريب أن الخطأ ليس عليه عقوبة، لكن إذا وقع ولي الأمر أنظمة وقوانين للمحافظة على حياة الناس وأموالهم مثل قوانين المرور التي تفرض على الناس التقيد بها من أجل السلامة، فإذا خالف الشخص هذه الأنظمة، وارتكب خطأ بأن تسبب في وفاة شخص أو صدمه فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية إلى جانب إلزامه بالتعويض من دية أو أرش، فالعقوبة التعزيرية هنا بسب مخالفته تعليمات ولي الأمر، وولي الأمر تجب طاعته في غير معصية كما هو معروف في الشرع. كما أن الإهمال والتهور وعدم التبصر والتحرز الذي يسبب الضرر بالغير يستحق العقوبة المناسبة كما تنص بذلك القواعد العامة للشريعة.