للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استدل أصحاب هذا الرأي بما يأتي:

أولا: أن العروض يمتنع وقوع الشركة على أعيانها، أو قيمتها، أو أثمانها، أما امتناع وقوعها على أعيانها فلأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله، وهذه العروض لا مثل لها حتى يرجع إليه، وقد تزيد قيمة جنس أحدها دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح، أو جميع المال، وقد تنقص قيمته فيؤدي إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح.

وأما امتناع وقوعها على قيمتها فلأن القيمة غير متحققة القدر فيفضي إلى التنازع، وقد يقوم الشيء بأكثر من قيمته، ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فشاركه الآخر في العين المملوكة له.

وأما امتناع وقوع الشركة على أثمان العروض فلأنها معدومة حال العقد، ولا يملكانها، ولأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن مكانه وصار للبائع، وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهو بيع الأعيان، وهذا لا يجوز (١) .

ثانيا: إن وقوع الشركة على العروض يؤدي إلى أن يشترك أحد الشريكين في حصة الآخر المالك للعرض إذا ظهر ربحه قبل التصرف فيه، بمقتضى عقد الشركة، مع أن الشريك غير المالك، كيف يستحق هذا الربح الذي هو زيادة فيما لا ملك له فيها ولا ضمان ولا تصرف (٢) .

المناقشة والترجيح:

يمكن أن نناقش أدلة الرأي الثاني والثالث بأنها جميعا تنطلق من منطلق أصحابها في النظرة إلى الشركة في العروض باعتبار ذاتها، ومن منطلق عدم تحقق الضمان إلا بعد التصرف فيها، وكلتا النظرتين تدخل في منطق المصادرة، وإلزام الغير بمقتضيات ومسلمات لا تعتبر مسلمة عنده.

وذلك لأن القائليلن بصحة الشركة في العروض مطلقا يقولون بأن الشركة فيها لا تتم إلا بعد تقويمها، والاتفاق على القيمة، ثم تصبح القيمة هي محل الشركة، وإذا لم يتم الاتفاق على القيمة لم تنعقد، وعلى ضوء ذلك يتحقق الضمان بعد هذا التقويم، وما يحدث للعروض من زيادة أو نقصان يكون من نصيب الشركاء، وحينئذ تطبق عليهما قاعدتا الغرم بالغنم، والخراج بالضمان (٣) .


(١) المغني لابن قدامة (٥ / ١٧)
(٢) المبسوط (١١ / ١٦١)
(٣) القاعدة الأخيرة حديث صحيح رواه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح، انظر: مسند أحمد (٦/ ٤٩، ٢٠٨، ٢٣٧) وسنن أبي داود - مع عون المعبود - (٩/ ٤١٥، ٤١٧، ٤١٨) والترمذي - مع التحفة - (٤/ ٥١٧) والنسائي (٧/ ٢٢٣) وابن ماجه (٢/ ٧٥٤) والتلخيص الحبير (٣/ ٢٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>