للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك السنة حيث جعلت مخالفة الوعد من خصال النفاق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كن يه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) (١)

فهذه الأدلة ونحوها واضحة في دلالتها على وجوب الوفاء بالوعود والعهود والعقود، غير أن الفقهاء على الرغم من اتفاقهم على أن خلف الوعد منهي عنه اختلفوا اختلافًا كبيرًا في إلزاميتها أمام القضاء، فذهب الجمهور إلى عدم لزومه.

وذهب ابن شبرمة إلى أن الوعد كله لازم، ويقضي به على الواعد ويجبر على تنفيذه (٢)

ويقرب من هذا القول ما ذكره البخاري عن ابن سيرين عن القاضي شريح: قال ابن سيرين: قال الرجل لكربه: أدخل ركابك، فإن لم ارحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: "من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه"، وقال أيوب عن ابن سيرين: أن رجلًا باع طعامًا. فقال: أن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجيء. فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت، فقضي عليه" (٣) .

هاتان المسألتان داخلتان في الوعد؛ لأن ما تعهد به لم يدخله ضمن العقد حتى يكون من شروط العقد، وإنما هو تعهد مستقل، أي أنه وعد ومع ذلك قال به شريح، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في رده على شريح: "وقال الجمهور: هي عدة فلا يلزم الوفاء بها" (٤)


(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ كتاب الإيمان: (١ / ٨٩) ،ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: (١ / ٧٨) .
(٢) المحلى لابن حزم: (٨ / ٣٧٧) .
(٣) صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ كتاب الشروط: (٥ / ٣٥٤)
(٤) فتح الباري: (٥ / ٣٥٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>