للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الطبيب (أمحوتب) في مصر القديمة يأخذ العهد والقسم على طلابه ألا يذيعوا لمريض سراً، وجاء من بعده (أبقراط) اليوناني، وما زال قسمه سارياً على الخريجين من معظم كليات الطب حتى الآن، وفيه أن كل معلومات حصل عليها الطبيب خلال أدائه مهمته، سواء أكانت المعلومات طبية أم غير طبية، سواء أعرفها سماعاً أم مشاهدة أم مجرد استنتاج، فهو سر لا يفشى، مغطى بسر المهنة، حتى أشرقت على العالم شمس الإسلام عقيدة فشريعة فدولة فدعوة فحضارة، فإذا أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس وإذا حضارته خير حضارة استظلوا بها.

وإذا الإسلام يثبت مما سبقه من الأعراف ولو نشأت في وعاء الجاهلية ما يراه غير مجاف للشريعة أو العقيدة، ويعتبره من فضائل الإنسانية التي اكتسبتها على مدى التاريخ.. {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩] .

فكان من جراء ذلك أن ازداد (سر المهنة) في مزاولة الطب ثباتاً واستقراراً، ذكر ذلك ابن أصيبعة في كتابه طبقات الأطباء، وأكده علي بن رضوان كبير أطباء مصر (٤٥٣) هـ، وأوصى بالقسم على حفظ السر مهذب الدين بن هبل البغدادي، وكان من وظائف المحتسب أنه يأخذ على الأطباء قسم (أبقراط) في حفظ السر.

ولا نود أن يفهم أن الإسلام أوصى الأطباء وحدهم بصيانة الأسرار، بل أوصى بذلك أمته كلها؛ لأن الشريعة الإسلامية تأمر الناس بأن يحفظوا الأسرار، فيجب على المسلم أن يلتزم بها، وأن يحافظ عليها، وإن الشخص إذا علم سراً أو اؤتمن عليه أو عرفه بحكم مهنته عليه ألا يفشي السر.

والقاعدة في الشريعة الإسلامية هي حرمة الإفشاء متى كان من شأن ذيوع السر أن يلحق الضرر بصاحبه، وهو على قيد الحياة أو بعد موته، وقد سئل أديب: كيف تحفظ السر؟ قال: أنا قبره، وقالوا: صدور الأحرار قبور الأسرار، وقال آخر: أستره وأستر أني أستره.

<<  <  ج: ص:  >  >>