للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متى يستثنى من وجوب كتمان السر؟

حفظ الأسرار شيء فطري ترشد إليه الطبيعة البشرية، فكل إنسان يحب أن يحفظ من الأسرار الكثير، سواء كانت خيراً لما ورد في الأثر: ((استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)) ، أو شراً كما ورد في الحديث: ((الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس)) .

وقد عدد الناس من قديم الزمان كثيراً من الفضائل، وكان من أبرزها المحافظة على الأسرار والوعود والعقود، وخاصة إذا أمنهم الناس عليها، والأطباء في القديم والحديث من أوائل من ائتمنهم الناس على أسرارهم، وقد التزم من قاموا بهذه المهنة بحفظ الأسرار من أقدم العصور، التزم به أطباء مصر كما التزم به أطباء اليونان، وقد ضمنوا هذا الالتزام قسماً يقسمه الأطباء وعهداً يقطعونه على أنفسهم قبل ممارستهم هذه المهنة.

وسر المهنة أصل عميق الجذور من أصور المهنة الطبية، وقيمة من قيمها المطلقة التي لم تترك لتقدير الطبيب أو لاجتهاده أو استحسانه في كل حالة على حدة.

وهي تلتقي تماماً مع تعاليم الإسلام، فهي بالإسلام تتقوى وتزداد رسوخاً، فحثت تعاليم الإسلام على الالتزام بالقيم وإحياء ما اندثر منها وجعل هذا ديناً وعقيدة وأسلوب حياة.

وسار على ذلك أطباء المسلمين، وقد أثبت ابن أبي أصيبعة في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) بعضاً من العهود التي أخذت على الأطباء في زمانه، منها:

(وأما الأشياء التي أعاينها أو أسمعها وقت علاج المرضى أو في غير أوقات علاجهم مما لا ينطق به خارجاً فأمسك عنه) ، ويروي ابن أبي أصيبعة بعضاً من التعاليم التي كانت تعلم للأطباء ويطلب منهم التحلي بها، ومنها:

(كمال التخلق وتوافر العقل والحرص على كتمان أسرار المرضى، والعفة، والعزوف عن إسقاط الأجنة، إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق) (١) . هذا وقد حبب الإسلام كثيراً في المحافظة على الشعور الإنساني والحس البشري؛ لأن ذلك من أسباب الرقي والصعود في حلقات السمو الإنساني على هذه الأرض، ولأنه من أسباب التكريم الإلهي للإنسان الذي وكلت إليه الخلافة عن الله في الأرض، لهذا أحاط الله كرامة هذا الإنسان بحصون واقيات؛ حتى لا يهتك له ستراً، ويفضح له سراً، فشرع له أموراً معينة في ذلك ينبغي اتباعها، منها المحافظة على سره وصون كرامته وعرضه.


(١) عيون الأنباء في طبقات الأطباء: ١/ ٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>