للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرون أن نظام العاقلة من قبيل التناصر، لا التغريم، وبهذا يجمع بين عمومات العواقل، والحديث الذي استدل به الشافعية؛ فلا منافاة بينهما.

وقد قرر الفقهاء بناء على هذا، أن الصغار والمجانين والنساء ليسوا من العاقلة؛ لأنهم ليسوا من أهل التناصر بالمعنى المذكور، وهو في العقل، كما أن الفقراء (١) ليسوا منها؛ لأن العقل مواساة، والفقير ليس من أهلها.

ولاشك في أن نظام العواقل غير موجود في أيامنا، لانقطاع سلسلة النسب وأواصر القرابة.

ويرى بعض المحدثين (٢) من الفقهاء أن بيت مال المسلمين –ممثلاً في وزارة المالية في أيامنا- هو الذي يتولى دفع الدية والعقل في أحوال الوجوب، وتستطيع الحكومة أن تفرض ضرائب خاصة لهذه المصارف، وقد وجدت في الغرب صناديق خاصة لهذا الغرض، وإذا كانت الحكومة تلزم نفسها بإعانة الفقراء والعاطلين، فأولى أن تلزم نفسها بتعويض ورثة القتيل المنكوبين.

وأرى أنه ما دامت العلة في العقل هي التناصر، وقد أطلق في لسان الفقه على العاقلة أنها الناصرة للقاتل (٣) فإن التناصر تقلب في التاريخ، وتعددت صوره وألوانه فقد كان قبل عمر –رضي الله عنه- بالقبيلة، ثم جعله عمر كما تبين آنفاً بالديوان، والتناصر في أيامنا بالحرف والنقابات، وقد ذاعت وشاعت واتخذت لها قوانين، وأنظمة مالية خاصة، وبنود مقررة لجباية مواردها، واعترفت الحكومات في غالب الدول بأنظمتها وحصانتها، فليكن العقل في أيامنا منوطاً بهذه النقابات، فنرى أنه يمكن أن تقوم نقابة الأطباء الواردة ببحثنا هذا بدور العاقلة.

بل أرى نوط الديات، وبدل الجراحات وضمان المتلفات المالية غير المعتمدة، بهذه النقابات؛ وبهذا التصميم يستغنى عن كثير من أنظمة التأمين الدخيلة، التي تستثمر بها أموالنا أصابع أجنبية عابثة، ولا تلتئم مع خلقنا الإسلامي العربي الأصيل، القائم على التناصر والإيثار، لا على الاستثمار والاستئثار.


(١) انظر تحديد الفقير في شرح المحلى على المنهاج (٤/ ١٦٥) ، وانظر في الموضوع نفسه المصدر المذكور؛ بدائع الصنائع (٧/ ٢٥٦) ؛ والمغني، والشرح الكبير (٩/ ٥١٤) ؛ والتاج والإكليل (٦/ ٢٦٧)
(٢) الأستاذ الفقيه القانوني الكبير عبد القادر عودة رحمه الله: التشريع الجنائي في الإسلام ٢/ ٢٣٠
(٣) انظر رد المحتار (٥/ ٣٤١) أوائل الجنايات

<<  <  ج: ص:  >  >>