إن من المبادئ المنظمة مبدأ (الحق) ، لا سيما إن كان للعباد أو في ملكهم، وهو شديد الصلة بمبدأ (الإذن) ، وكل من الحق والإذن إما أن يرجع إلى الشارع (حق الله) و (الإذن الشرعي) أو إلى الإنسان (حق العبد) و (إذن المالك) ، وإن للحقوق تقسيمات وأنواعاً ليس من المناسب التوسع فيها بمجال كهذا، لا سيما أنها موضوع مشترك بين المعاملات المالية والتصرفات الجنائية، وإن ذلك يجر إلى الكلام عن (المسؤولية) ، وهو جانب عولج على حدة لاتصاله بأمور أخرى غير الحق والإذن، كالقصد وطبيعة الفعل والخبرة.
على أن من المفيد لتنويع المبادئ المنوه بها الإشارة إلى أن منها:
(لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا إذن) :
وبدن الإنسان ملك لله عز وجل، وفيه مع ذلك حق للعبد نفسه، فهو مما يجتمع فيه الحقان (حق الله وحق العبد) ، وهذا من حكمة التشريع، فهذا الاجتماع للحقين مما يستظهر به على صيانة محل الحق، بدلاً من سهولة سقوطه أو إسقاطه ما لم يتوافر اجتماع إذن الشارع مع إذن المالك. وإذن الشارع منه المنصوص عليه في صورة أحكام شرعية، ومنه المنوط بالولاية العامة التي تقول قاعدتها:
(التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) :
على أن إذن الشارع سواء كان بالأحكام المنصوصة أو القواعد العامة هو المرجع في حال القصور أو العجز عن إصدار الإذن ممن كان الأصل أن يملكه، ولهذا كان إلى جانب الولاية العامة: الولاية الخاصة والوصاية والقوامة.
أما إذن المالك فهو بإطلاق التصرف ابتداء أو إجازته بعد وقوعه.
وما يتصل بهذا المبدأ ما أبداه العلامة القرافي من فرق في الأثر بين الإذن من صاحب الشرع (وهو في الغالب عام) وبين الإذن من قبل المالك (وهو من الإذن الخاص) بأن إذن المالك يسقط الضمان، أما إذن الشارع فالأصل فيه إسقاط التبعة الأخروية والعقوبة، دون الضمان (المسؤولية المدنية) وهذا تفضل من الله على عباده حيث جعل ما هو حق لهم لا يصح الإبراء فيه إلا برضاهم وإسقاطهم ضمانه. هذا الفرق تدل عليه القاعدة العامة: