إن الحض على التعاون والإحسان وفعل الخير مما تواردت عليه آيات القرآن والأحاديث النبوية المعروفة، ونفع الناس من الرغائب المشروعة المحمودة إلا فيما نهى الشارع عنه، والنهي إما لمحظور يتصل بالفعل النافع لضرر ديني عام، أو لأن النفع يقابله ضرر أكبر لباذله، على ما سبق في مبادئ إزالة الضرر ومراعاة الضرورة. فإذا خلا الفعل النافع للغير من ذلك، وكان الضرر الذي يرفع عن الآخرين أشد من الضرر اللاحق بالمقدم على النفع، فهو من الإيثار على النفس ولو لحقها شيء من الخصاصة أو الضرر المحتمل، أو المتوهم.
وهذه المبادئ هي المسوغ الشرعي للتطبيب القائمة على تقديم الدم والأعضاء البديلة إلى المرضى التالفة أعضاؤهم مما يبذله المحسنون دون أن يؤدي ذلك إلى التهلكة المنهي عنها. ومستند ذلك مقتضى النصوص التي ألمحنا إلى كثرتها في هذا المجال، كقوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة:٥] ، وقوله:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: ١٩٥] ، وقوله:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الحج: ٧٧] ؛ وقوله:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: ٩] ؛ ومن الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام:((من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه)) وفي رواية ((فليفعل)) أخرجه مسلم في صحيحه.
فهذه النصوص وغيرها كثير، ليست مبادئ أخلاقية فحسب، بل هي ذات أثر تشريعي في الإباحة والترغيب، إن لم يكن بالوجوب عند من يجعله أولى ما تقتضيه صيغ الأمر. فهذا العلم من الجائز شرعاً وهو من صنائع المعروف وأبلغ صور الإحسان و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١] .