لعل هذه الكلمة تصلح للتعبير عما تتطلع إليه المحاولات في مجال الوراثة بإيجاد ما يعتبر بدائل عن الوضع الأصلي من خصائص وخصال في الإنسان كانت ستظل معه لولا التدخل باستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير في الواقع، وإن كان الغرض متجهاً إلى عكس ذلك.
والاستبدال هو كما عرفه المختصون: التعويل على ما للحامض النووي من خصائص، لاسيما خاصة الالتحام عند قصه بحيث يمكن التحكم في إبدال المورثات من خلال عمليات معقدة يعود تحقق نتائجها إلى الخصائص في الحامض المذكور.
وبناء على ما سبق من تفصيل في اعتبار الهدف يختلف الحكم على هذه التصرفات تبعاً للقصد، فإن اتجه إلى العلاج من علة، سواء كانت مرضاً وراثياً قائماً بالجسم أو انحرافاً في الطبيعة الأصلية أو تقاصراً عن القدر المألوف فيها فإنه مما يندرج في التصرفات المشروعة، إن لم يكن على سبيل الوجوب فعلى وجه الندب أو الإباحة، لأنه من جنس المأمور به في نصوص الشريعة الداعية إلى التداوي وإزالة الضرر ودرء المفسدة وتحصيل النفع والحرص عليه.
ولكن ما الحكم إن اتجه القصد أو أدت الوسيلة إلى تغيير الخلقة أو تبديل الفطرة على سبيل العبث والإفساد للانحطاط من الخلق السوي إلى أحد طرفي قصد الأمور من المبالغة في الطباع الحليمة الهادئة المغرقة في الجانب الخير كالملائكة، أو الانحراف بالسجايا عن الوضع الطبيعي المحايد المحقق للتوازن إلى صفة العجز والاستخذاء والانقياد اللاإرادي، أو التوغل في الميول الشريرة التي تنحدر بالإنسان إلى حضيض الشياطين والمردة، وهذا كله خلاف ما خلق الله عليه الإنسان في فطرته من القابلية للخير والشر على حد سواء، إلى أن يطرأ مؤثر ما {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[الروم: ٣٠] .
مما لا يساور معه الشك أن في ذلك تبديلاً للفطرة المنهي عن تبديلها، وقد حرم الله كل ما يؤثر على الطبيعة الأصلية للإنسان سواء كان بأسباب مادية منضبطة كالإسكار والتخدير والإكراه الملجئ، أو بأسباب أخرى خاصة كالذي يتعاطاه السحرة النافثون في العقد، أو الحسدة هواة الإصابة بالعين، أو المرجفون وأهل التحريض على الشر أو التثبيط عن الخير باستغلال الهوى الجامح، أو الطيش البين، أو الغفلة والسذاجة، وما إلى ذلك من المؤثرات المعنوية أو النفسية السلبية أو المفسدة فلا يقل عن هذه التصرفات في الخطورة ما يصل إليه الإنسان من نتائج بالوسائل المادية المختبرية والإجراءات الطبية، فكل من هذا وذاك استجابة لأمر الشيطان ومطاوعة لنزغاته بالقيام بالتصرف المعتبر سبباً ينشأ عنه مسببات منسجمة مع ذلك التغيير، فإن الله ربط الأسباب بالمسببات، والحكم كما يتعلق بالفعل المباشر يتعلق بالتسبب إذا ما توافرت صلة السببية.