للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع أنه استثنى من النهي الوسم، وهو إحداث علامة في الحيوان بالكي، وهو جائز في غير الوجه، فقد اختلف في خصاء الحيوانات، أما الخصاء في الآدمي فلم يختلفوا في أنه لا يحل ولا يجوز؛ لأنه مثلة وتغيير لخلق الله تعالى، وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قصاص؛ قاله أبو عمر بن عبد البر.

وقد بين الإمام الطبري أن في هذا الحديث دليلاً على أنه: (لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقها الذي خلقها الله عليه بزيادة أو نقصان التماس الحسن لزوج أو غيره، سواء فلجت أسنانها أو وشرتها أو كان لها سن زائدة فأزالتها أو أسنان طوال فقطعت أطرافها {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩] وذلك يخرج الناس عن فطرة الله، فيشمل هذه المعاصي أيضاً لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي لأن كل ذلك تغيير خلق الله، قال عياض: ويأتي على ما ذكره (الطبري) أن من خلق بأصبع زائدة أو عضو زائد لا يجوز له قطعه ولا نزعه؛ لأنه من تغيير خلق الله، إلا أن تكون هذه الزوائد تؤلمه فلا بأس بنزعها عند (الطبري) وغيره (١)

* * *

الاستصفاء

لعل هذه التسمية تؤدي المراد من عبارة التحكم في جنس الجنين بعد تشخصيه.. فهو من باب الاصطفاء لأحد الجنسين على الآخر.

وإن هذا التحكم إذا ما تم بوسائل صحيحة فهو سائغ كما يسوغ الدعاء بطلب جنس معين، ومن المقرر أن ما يحرم فعله يحرم طلبه، وأن من شروط الدعاء ألا يسأل أمراً محرماً.

وقد سأل نبي الله زكريا عليه السلام أن يرزقه الله ذكراً ليصبح ولياً يرث من ميراث النبوة، وفضلاً عن ذلك فما كان يجري على مرأى ومسمع المفسرين والفقهاء وضمنوه بعض كتبهم ما كان يسلكه الناس من وسائل أخرى يظنون تأثيرها في الحصول على هذا المقصود بقطع النظر عن مدى صلتها بالحقيقة.

ومثل هذا المسعى إذا جاء على نطاق فردي شخصي لا غبار عليه، وهو بمنأى عن توهم منافاته لحصر العلم بالأرحام في جملة الأمور الخمسة التي استأثر الله بعلمها، فإن ذلك العلم ليس حاصلاً بوسيلة ولا هو مسبوق بجهل ولا هو محفوف بظن وتردد كعلم الناس، فضلاً عن أن الآية جاءت في مورد التحذير مما كان مادة خصبة للكهان والمنجمين، ورتب عليها خطورة الجزم بذلك على أنه علم موهوب، أما إن كان الإخبار ناشئاً عن عادة أو وسائل فإنه ليس في حيز النفي.

وكما يقول القرطبي المفسر: قد تختلف التجربة وتنكسر العادة ويبقى العلم لله تعالى وحده (٢)


(١) تفسير القرطبي ٥/ ٣٩٣
(٢) تفسير القرطبي ٧/ ٢ وفيه نماذج ١٤/ ٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>