والخلاصة في هذا الأمر أن الراجح من رأي الفقهاء هو أن الطبيب الحاذق لا يسأل عن نتيجة طبه طالما قام بواجبه على الوجه الأكمل، ويستوي في الحكم إذا شفي المريض أو مات أو قام معلولاً بعلة، وكذلك لا يسأل عن الخطأ الفاحش مسؤولية غير عمدية، وتعتبر هذه الجناية جناية خطأ، فإن الأرش أو الدية يقضى بها، وتكون مخففة على العاقلة، وفيما يتضح لنا أن الشريعة الغراء تبيح الاجتهاد للأطباء في علاج الأمراض ولا يسأل الطبيب إذا خالف زملاءه متى كان رأيه يقوم على أساس سليم، سئل نجم الأئمة الحليمي عن صبية سقطت من السطح فانفتح رأسها فقال كثير من الجراحين: إن شققتم رأسها تموت وقال واحد منهم: إن لم تشقوه اليوم أنا أشقه وأبرئها، فشقه ثم ماتت بعد يوم أو يومين، هل يضمن؟ فتأمل ملياً، ثم قال: لا، إذا كان الشق بإذن وكان معتاداً ولم يكن فاحشاً خارج الرسم.
وكتب محمد بن جزي الغرناطي المالكي في موجبات الضمان فقال في البند السابع: تضمين الصناع فيضمنون ما غابوا عليه سواء عملوه بأجرة أو بغير أجرة، ولا يضمنون ما لم يغيبوا عليه، ولا يضمن الصانع الخاص الذي لم ينصب نفسه للناس، وقال أبو حنيفة: لا يضمن من عمل بغير أجرة، وللشافعي في ضمان الصناع قولان، فإن قامت بينة على التلف سقط عنهم الضمان، واختلف هل يجب لهم أجرة إذ كان هلاكه بعد تمام العمل، وكذلك يضمنون كل ما جاء على أيديهم من حرق أو كسر أو قطع إذا عمله في حانوته إلا في الأعمال التي فيها تضرير كاحتراق الثوب في قدر الصباغ، واحتراق الخبز في الفرن، وتقويم السيوف، فلا ضمان عليهم فيها إلا أن يعلم أنهم تعدوا، ومثل ذلك الطبيب يسقي المريض أو يكويه فيموت، والبيطار يطرح الدابة فتموت، والحجام يختن الصبي أو يقلع الضرس فيموت صاحبه، فلا ضمان على هؤلاء؛ لأنه مما فيه التغرير، وهذا إذا لم يخطئ في فعله، فإن أخطأ فالدية على عاقلته، وينظر، فإن كان عارفاً فلا يعاقب على خطئه، وإن كان غير عارف وعرض نفسه فيؤدب بالضرب والسجن، ولا ضمان على صاحب السفينة خلافاً لأبي حنيفة، ولا على صاحب الحمام إذا ضاعت الثياب بغير تقصير (١)
(١) قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي المالكي، طبعة الشركة الفنية المتحدة، القاهرة (ص ٣٥٢)