للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تحديد أدق لمسؤولية الطبيب العالم فقد ذكر في شرح الأزهار في فقه الزيدية عند قول المتن: ولا أرش للسراية عن المعتاد من بصير ((١) ، قال:) فإذا استؤجر الخاتن أو نحوه فحصل مضرة من عمله لم يضمن بشروط:

الأول: أن يكون عن سراية، فلو كان عن سراية مباشرة، نحو أن يقطع حشفة الصبي ضمن عمداً كان أم خطأ.

الثاني: أن يفعل المعتاد، فلو فعل غير المعتاد ضمن.

الثالث: أن يكون بصيراً فلو كان متعاطياً ضمن.

(والمراد بالبصير من يعرف العلة ودواءها وكيفية علاجها ويثق بذلك من نفسه، وأن يكون قد أجاز له مشايخه وفعل مرتين فأصاب، فإن أخطأ في الثالثة فليس بمتعاط، لا الأخذ من الكتب كما في سائر العلوم، ولا يجوز لهم الإيهام بأن الدواء أكثر مما هو عليه، ولو فعل المتعاطي المعتاد مأموراً به ولم تحصل جناية فلا ضمان وبغير أمر يضمن ولو لم يفعل إلا المعتاد، فإن قطع البصير المعتاد فخبث فهلك الصبي بمباشرة ذلك المعتاد، ففي البيان لا ضمان، وقد وقعت في رجل قطع له طبيب فهلك بالمباشرة بالسبب المعتاد، فأخذ كثير من العلماء بظاهر الأزهار يضمن، وأفتى القاضي محمد بعدم الضمان) ، وهذا كله يدل على أن الأمر أو الإذن وحده لا يكفي، بل يشترط أن يكون العمل من بصير غير متعاط وأن يكون على وفق المعتاد.

عمليات التجميل:

ظهرت في العصر الحديث اتجاهات لمعالجة بعض العيوب الخلقية بإجراء عمليات جراحية لإزالتها؛ لتفادي الغم والهم والألم الذي يحس به المشوه من نقص عمن سواه من البشر، وكذلك تفادي سخرية الناس أو اشمئزازهم في بعض الحالات، ولا أرى أن الشريعة الإسلامية تمانع في مثل هذه العمليات، ومما يدعو إلى الإعجاب بشمول دين الإسلام أن أهل الحديث رووا: ((أن عرفجة بن سعد أصيب أنفه يوم الكلاب فأنتن فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب)) (٢) وفي رواية النسائي في باب الزينة أخرج عن أبي الأشهب عن عبد الرحمن بن طرفة: ((أن جده عرفجة بن سعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من ورق فأنتن، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفاً من ذهب)) ، ومثل اتخاذ الأنف من الذهب اتخاذ الأسنان منه، وقد روى الطبراني في معجمه عن عبد الله بن عمر ((أن أباه سقطت ثنيته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يشدها بذهب)) ، ونوع آخر من عمليات التجميل تعرض له الفقهاء، ففي الظهيرية: (إذا أراد الرجل أن يقطع إصبعاً زائداً أو شيئاً آخر، قال نصير رحمه الله: إن كان الغالب على من قطع مثل ذلك الهلاك فإنه لا يفعل، وإن كان الغالب هو النجاة فهو في سعة من ذلك) ، وجاء في خزانة المفتين: (من له سلعة زائدة يريد قطعها إن كان الغالب الهلاك فلا يفعل، وإلا فلا بأس به) (٣)


(١) شرح الأزهار ٣/ ٢٨٣
(٢) هذا الحديث أخرجه أبو داود في الخاتم، والترمذي في اللباس، والنسائي في الزينة
(٣) جاء في لسان العرب ٨/ ١٦٠ ما نصه: (السلع: البرص ... والسلع أيضاً الشق يكون في الجلد وجمعه سلوع، والسلع أيضاً: شق في العقب)

<<  <  ج: ص:  >  >>