للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن حزم في كتاب المحلى ما نصه: (من قطع يداً فيها أكلة بغير إذن صاحبها، قال أبو محمد: قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] ، وقال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] ، فالواجب استعمال هذين النصين من كلام الله تعالى، فينظر: فإن قامت بينة أو علم الحاكم أن تلك اليد لا يرجى لها برء ولا توقف وأنها مهلكة ولابد، ولا دواء لها إلا القطع، فلا شيء على القاطع، وقد أحسن؛ لأنه دواء، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمداواة، وهكذا القول في الضرس إذا كان شديد الألم، قاطعاً به عن صلاته ومصالح أموره فهذا تعاون على البر والتقوى، عن يحيى بن أسامة بن شريك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تداووا؛ فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد، قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: الهرم)) (١) ، وجاء في المحلى أيضاً: قال علي فيمن داوى أخاه المسلم كما أمره الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام فقد أحسن، قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] .

وأما إذا كان يرجى للآكلة برء أو توقف، وكان الضرس يتوقف أحياناً ولا يقطع شغله عن صلاته ومصالح أموره، فعلى القاطع والقالع القود؛ لأنه حينئذ متعد، وقد أمر الله تعالى بالقصاص في القود (٢)

وأبلغ من ذلك ما جاء في شرح مختصر خليل عند قوله: (وترك مواساة وجبت بخيط ونحوه لجائفة) ، وجب على من كانت معه فتلة خيط أو حرير أو إبرة وهو مستغن عنهما حالاً أو مآلاً أن يواسيه بالخياطة لجرحه، فإن لم يفعل فإنه يضمن.

وما ذكر في هذه المواضع يقاس عليه كل ما يستدعي الحال عمله لإنقاذ حياة مريض يشك في حياته لو لم تعمل له هذه العملية الجراحية المستعجلة، على نحو ما يراه الأطباء وأهل الخبرة.


(١) المحلى لابن حزم ١٠/ ٤٤٤
(٢) المحلى لابن حزم ١٠/ ٤٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>