للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن اضطر إلى شرب الخمر أو البول؛ شرب البول؛ لأن شرب الخمر أغلظ، وإن اضطر إلى شرب الخمر ففيه ثلاثة أوجه:

الأول: أنه لا يجوز، والثاني: يجوز لأنه يدفع به الضرر عن نفسه، والثالث: أنه إن اضطر لشربها للعطش لم يجز؛ لأنها تزيد في الإلهاب والعطش، وقد رد هذا الوجه الأخير الإمام الجويني والإمام الغزالي لأنها تزيل العطش، والصحيح ما قالاه لأنه قد يبلغ الماء فيها ٩٠ أو ٩٥ بالمئة كما في البيرة والأنبذة الخفيفة، وفي الوجه الثالث أنه يجوز استعمالها للدواء.

قال النووي: (وأما التداوي بالنجاسات غير الخمر فهو جائز في جميع النجاسات غير المسكر، ومنهم من قال: يجوز بأبوال الإبل خاصة لورود النص بحديث عرينة الذين اجتووا المدينة وسقموا، فأمرهم الرسول بشرب ألبان الإبل وأبوالها فصحوا، ثم قاموا بقتل الراعي وسرقة الإبل) (سيأتي الحديث عن التداوي بالنجاسات غير الخمر) .

ولم يسمح جمهور الفقهاء باستخدام الخمر كدواء إلا عند الضرورة القصوى، مثل أن يغص امرؤ بلقمة ولا يجد أمامه إلا الخمر، فعندئذ يجوز شربها، يقول صاحب كتاب فقه السنة: (١) (ومثل الفقهاء لذلك بمن غص بلقمة فكاد يختنق ولم يجد ما يسيغها به سوى الخمر) ، وقد أخطأ غفر الله لنا وله حين قال: (أو من أشرف على الهلاك من البرد ولم يجد ما يدفع به هذا الهلاك غير كوب أو جرعة خمر أو من أصابته أزمة قلبية وكاد يموت فعلم أو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين من الخمر) ، وذلك من الأوهام التي كانت سائدة عن الخمر ثم أبان الطب الحديث زيف ذلك، وأن الخمر لا توسع الشرايين التاجية، ولا تقي من جلطة القلب، بل ربما زادتها سوءاً.. وهي كما أوضحنا ليست دواء للبرد، بل تؤدي إلى الوفاة من هذا البرد القارس والمرء ينعم بالدفء الكاذب.

حكم الخمر غير الصرف المعجونة بالدواء: بطل في الطب الحديث استخدام الخمر الصرفة في الدواء واعتبرت داء لا دواء، ولكنها لا تزال تستخدم في الدواء معجونة به كترياق، حيث تستخدم لإذابة المواد الطبية التي لا يذوب بعضها في الماء، وقد بحث الفقهاء الأجلاء هذه النقطة، يقول الخطيب الشربيني في مغني المحتاج (٢) :


(١) الشيخ سيد سابق: فقه السنة، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة ١٩٨١: ٢/ ٣٤٠
(٢) مغني المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني: ٤/ ١٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>