للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبفضل هذه العناية الفائقة، اتضح الحق وذهب الشك، ودُوِّنَ الحديث تدويناً لا يزيد الناظرين فيه إلا اطمئناناً وثقة بما اعتمده المحدثون من المصادر الموثوق بها، واستدلوا به من الأخبار الصحيحة، كما تَسَنَّى للفقهاء وعلماء الشريعة والمجتهدين في كل عصر أن يمتثلوا سنة نبيهم ويُحَكِّموها فيما بينهم، ويتركوا أقوال الناس لها ويعرضوها عليها، فما وافقها أخذوا به، وما خالفها طرحوه. وذلك ما يتحقق به قيام أمر الإسلام وتميزه عن غيره من الشرائع والأديان. وهو ما دعا سبحانه إليه المؤمنين في قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩] ، وقوله في وجوب الاحتكام إلى الكتاب والسنة والرضا بما جاء فيهما من تشاريع وأحكام: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] . وإنك لن تجد عند البحث في كتاب الله والتدبر له والاستنباط منه إماماً من أئمة الفقه، أو مذهباً من المذاهب الفقهية في مختلف الأصقاع والأمصار، إلا واعتماده على الحديث أساسي، لا يكاد يتخلف في فرع من الفروع أو مسألة من المسائل. وإن للكثير منهم مسانيد تجمع أدلتهم، وتشير إلى وجه الحكم فيما عرضوا له أو عرض لهم من القضايا. ولم يتخلف الأصوليون أيضاً عن الاهتمام بالسنة وتفصيل القول فيها، فكتبوا في حجيتها وثبوتها، وفصلوا القول في دلالتها وشروط قبولها وأقسامها. وهؤلاء وأولئك لا يعنون بها ولا يحفلون منها إلا بما ورد مورد التشريع، مما يكلف الناس باتباعه والعمل به. وقد نبه على هذا جماعة من علماء الشريعة في القديم والحديث منهم:

النووي في باب وجوب امتثال ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرعاً، دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي. (١)

والقرافي في الفرق السادس والثلاثين عند تصنيف الحديث إلى ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم، منه بوصف الإمامة أو القضاء أو الفتوى والتبليغ. (٢)

وفي الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام في السؤال الخامس والعشرين. (٣)

وابن القيم في زاد المعاد في سياق الحديث عن غزوة حنين. (٤)


(١) شرح مسلم: ١٥/١١٦
(٢) الفروق: ١/٢٠٥ - ٢٠٩
(٣) الإحكام: ٨٦ - ١٠٩
(٤) زاد المعاد: ٣/٤٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>