للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن بناء الفرد المسلم بتعليم الرسول له، وتربيته إياه، وتزكية خلقه، وتركيز معاني الإيمان والإسلام والإحسان في خلده، وتعهده بالحكمة والموعظة الحسنة، قد أينع ثمره بتكوين الرعيل الأول من المسلمين ومن بعدهم من الخلفاء الراشدين والأئمة المجتهدين والأتقياء الصالحين والأولياء المقربين. فما من أحد منهم إلا آخذ قواعد الإسلام ونظمه وآدابه وأحكامه، يتدبرها ويتعهد نفسه بها تدبراً وتعهداً يضعانه في كل حين أمام الصورة الكاملة للمسلم التي أوضحها لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بسيرته الشريفة وأقواله وأفعاله السنية وتصرفاته الموحية الملهمة البليغة. وهذا ما تقتضيه طبيعة التربية الإسلامية التي قامت كما يقول الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور: (على الأصول الثلاثة من التلقين والتمثيل والتمرين، التي جاء بها الوحي الإلهي، وكان استمدادها من القرآن والسنة. ولئن شاركت السنة القرآن في الأصل الأول بما قرراه من مبادئ، وبسطاه من دعوات، ورسخاه من قواعد، فإن السنة النبوية قد انفردت بتحقيق الأصلين الآخرين اللذين هما التمثيل والتمرين. وينبغي أن يعلم أن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وإقراراته موفية بالأصول الثلاثة.

فالأقوال هي تلقين، وإلقاء للحقائق، وتعريف بالواجبات، وإرشاد للقواعد.

وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم هي تمثيل ليكون فيها النبي صلى الله عليه وسلم المثال الصالح للأمة، فيما يأتي من الأعمال وما يترك، وما يحقق من امتثال الواجبات، وما يحقق من اجتناب النواهي. وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] .

وأما الإقرارات فإنما هي عبارة عن أعمال غير النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين، التي تكون محلاً لمراقبته ورضاه عنها، إذا كانت مرضية، أو إنكاره إياها إذا كانت منكرة، فإن هذا يرجع إلى معنى التمرين) . (١)

وهكذا امتلأت النفوس إيماناً وإيقاناً، ووعياً كاملاً بالدين وبمنهجه، كما ارتكزت حركاتها على اليقظة الشديدة وضبط النفس. فلا تصدر عنها الأعمال غالباً إلا عن إرادة وقصد، ولا تكون منها إلا خاضعة لرقابة دينية ذاتية دائمة.


(١) محاضرة مسجلة عن التربية الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>