للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أفراد ذلك الجيل لا يأتون من الأمر شيئاً إلا أن يكون فيه رضا لله أو خير لمن حولهم من الناس. وعلى هذا الأساس قام المجتمع الإسلامي الأول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورغم ما كان بين العرب من تفاوت وتمايز في الثروة والجاه والقبيلة والمكانة الأسرية، تمكنت سياسة المربي العظيم، والقائد الحكيم، والرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم من أن تقتلع من القلوب كل معاني الجاهلية، وتسوي بين الناس جميعاً. فاتحدت الطباع والعادات، وتماثلت وتدانت بالإسلام المراتب والدرجات، وأصبح المؤمنون كما ورد في السنة ((عباد الله إخواناً، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم)) (١) .

وبهذا الوصف الجامع بين أفراد الأمة والمميز لهم عن أهل الضلالة والغواية، نطق القرآن الكريم مصوراً حقيقة المؤمنين في موكب الرسالة: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩) } [الفتح: ٢٩] .

ومن كانت هذه أحوالهم، كانوا على الحق وعلى صراط مستقيم. ولن يكون الحفاظ على الإسلام وقوته، وعلى سيادة المسلمين وعزتهم، وعلى تقدمهم وريادتهم، أو القدرة على بعثهم وتجديد أمرهم، إلا إذا كانوا منوطين بالحفاظ على السنة والإقبال عليها، والعمل بها، والحرص على الائتساء بالرسول الكريم.

فمن تبع ذلك فقد رشد، ووصل ما بينه وبين هذا الدين، ومن صدف عنه فقد غوى وقطع ما بينه وبين العلم والإيمان.

وشواهد هذا قائمة على مدار التاريخ الإسلامي. فالإسلام لا يسود ولا يهيمن ولا يقوى على تخليص المسلمين مما تردوا فيه من الانهيار والانهزام العقلي والمهانة والضعف والفشل الذريع، إلا متى تحققت لهم منه مقوماته، وأخذوا بسبيله، وأوثقوا صلتهم بالله وبرسوله، واتخذوا من هذا الدين منهج حياة وطريقاً للسعادة والفوز في الدنيا والآخرة.

ولذلك فإن أول ما يجب الاحتكام إليه والعمل به والالتزام بتطبيقه شرع الله الذي وردت به نصوص الكتاب والسنة، وتضمنته آيات الأحكام والأحاديث الصحيحة، فكانت موضع النظر والدرس والتفسير والتحليل والاستنباط والتأويل، كما كانت سبيل الدعوة إلى الحق والتوجيه إلى الرشد من أئمة الاجتهاد وعلماء الأمة.


(١) د: جهاد ١٧٤، ديات: ١١؛ ن: قسامة ٧، ١٣؛ جه: ديات ٣١؛ حم: ٦/١١٩، ١٢٢، ٢/١٨٠، ١٩٢، ٢١١، ٢١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>