للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونعلم أيضاً أن بعض العلماء المتقدمين كان يرى فيما نقله عنه السيوطي: (أنه لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن إلا بما ورد عن الرسول، وإن كان عالماً أديباً متسعاً في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار، وليس له إلا أن ينتهي إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم) (١) وكل هذا يفسر إقبال أصحاب دواوين السنة على جمع أحاديث التفسير وتدوينها في مصنفاتهم وبين مروياتهم.

والذي يتبين من هذا كله أن ما نقله الكاتب في فجر الإسلام عن الإمام أحمد غير صحيح، إنما صح عنه قوله: (ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم والمغازي) ، أو: (ثلاثة كتب لا أصل لها: المغازي والملاحم والتفسير) روايتان.

وفي هذا القول المنقول عنه نفي للصحة لا يستلزم الوضع ولا الضعف. ومن هذا الباب روي عنه قوله: (لا أعلم في التسمية - أي بالوضوء - حديثاً ثابتاً) . قال ابن حجر: (لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم، وعلى التنزل: لا يلزم من نفي الثبوت ثبوت الضعف لاحتمال أن يراد بالثبوت الصحة فلا ينتفي الحسن) (٢) وقد يكون المراد من قول الإمام نفي كتب خاصة لهذه العلوم، أو أن ما صح في هذا الباب من الأحاديث قليل وأن الذي يغلب على سائرها، وهو الأكثر، الوضع أو الضعف.

وأما أحاديث البخاري التي انتقى منها صحيح جامعه فإن الاتهام والشك مسلطان على وفرتها وتحديدها بستمائة ألف، كما هو واقع بشأن الصحيح منها. وتساءل الناقد: كيف يصح ذلك؟ وأين ذهبت تلك الأحاديث كلها؟ والجواب عنه: أن أبا زرعة كان يحفظ أكثر من ذلك. قال أحمد بن حنبل: (صح من الأحاديث سبعمائة ألف وكسر، وهذا الفتى قد حفظ سبعمائة ألف) (٣) ولا يلزم أن تكون هذه الأحاديث كلها متصلة مرفوعة؛ فقد يكون فيها أخبار وموقوفات وآثار. وقد لا تكون الأحاديث مع هذه الكثرة مختلفة المواضيع ولكنها بضم طرقها المتعددة إليها يزداد عددها ويتضاعف أضعافاً كثيرة.


(١) الإتقان: ٢/١٨٠
(٢) نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار
(٣) الخطيب البغدادي. تاريخ بغداد: ١٠/٣٣٢؛ السمعاني. الأنساب: ٦/٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>