للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يتصور، كما هو يقين هذه الأمة، حدوث الوضع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو حصل ذلك لبلغ إلينا متواتراً لشناعته وسوء أثره، ولوجوب التنبيه عليه من الرعيل الأول القوي الإيمان الشديد التمسك بالدين. فلا يسكت عن مثله حتى يأمن الناس بوائقه. وعلى صحة هذا الافتراض فأين سبب ورود هذا الحديث؟ ولم لم يتحدث المؤرخون والمحدثون عن ملابساته؟ فكل ما أمكننا الوقوف عليه أن هذا الحديث قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما طلب من أصحابه أن يبلغوا عنه. فأوصاهم بالتحري، وحذرهم من التقول عليه. وقد جاء هذا الحديث في سياقات مختلفة: رواه البخاري من حديث المغيرة، وهو في الجنائز، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو في أخبار بني إسرائيل، ومن حديث وائلة بن الأسقع وهو في مناقب قريش، (١) ومسلم من حديث علي وأنس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري، (٢) والترمذي من حديث ابن مسعود وعلي وأبى بكر وعمر وعثمان والزبير وسعيد بن زيد وعبد الله بن عمرو وأنس وجابر وابن عباس وأبي سعيد وغيرهم، (٣) وأحمد بن حنبل من حديث أبي موسى الغافقي. (٤) وليس فيها جميعها دليل يشهد لما ذهب إليه صاحب فجر الإسلام. ولا تنهض دليلاً على ما ادعاه الروايتان الأخريان التي ذكر إحداهما الطحاوي في مشكل الآثار، (٥) وثانيتهما التي أوردها الطبراني في الأوسط، (٦) وذلك لضعف سنديهما، ونكارة متنيهما، وتعلق الحديث فيهما بتزوير حادث دنيوي خاص بالمزور، ولكون من يروى عنه حصول هذا الحادث له مجهولاً.

أما أحاديث التفسير فإن النتيجة التي توصل إليها المؤلف بعد النظر والبحث هي قوله: (وحسبك دليلاً على مقدار الوضع أن أحاديث التفسير التي ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: (لم يصح عنده منها شيء) قد جمع آلاف الأحاديث) . (٧) فبين ما يروى من أحاديث في هذا الباب وبين حكم الإمام أحمد وهو من هو معرفة بالحديث، بل بين ما يرويه هذا الإمام نفسه في مسنده من أحاديث التفسير، وبين ما نقله عنه أحمد أمين من رأي أو حكم بشأن هذه الأحاديث تقابل مطلق وتناقض كامل.

ولتصوير الحقيقة على الوجه الصحيح لا بد أن نذكر أن من وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم كما صرح بذلك القرآن أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم. ولا شك في كونه قد قام بذلك على الوجه الأكمل. فكان يبين لأصحابه معاني القرآن كما يبين لهم ألفاظه. روى عنه من تلقى ذلك منه، واتخذوه لهم شرحاً وتفصيلاً وبياناً وتوجيهاً. فلا غرو إذا نقلت عنه أحاديث كثيرة في هذا المعنى. ونحن نعلم تقيد العلماء بها وبالخصوص في المتشابه من القرآن حتى روي عن الشافعي أنه قال: (لا يصح تفسير المتشابه إلا بسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو خبر عن أحد أصحابه أو إجماع العلماء) (٨) وقال الطبري في شروط التفسير والمفسر: (إن مما أنزل الله من القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك تأويل جميع ما فيه من وجوه أمره - واجبه ونهيه وندبه وإرشاده- وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده ومبالغ فرائضه ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته) . (٩)


(١) ابن حجر. فتح الباري: ١/١٦٤
(٢) ابن حجر. فتح الباري: ١/١٦٤
(٣) ت: ٥/٣٥ – ٤٢ كتاب العلم، ٨ باب ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٤) حم: ٤/٣٣٤
(٥) الطحاوي: ١/١٦٤
(٦) السباعي. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: ٢٤٠
(٧) فجر الإسلام: ٥٢٩
(٨) مختصر البويطي.
(٩) الطبري. جامع البيان عن تأويل القرآن: ١/٧٤

<<  <  ج: ص:  >  >>