للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أورد في كتابه بشأن عبد الله بن المبارك، الذي عده ابن مهدي أحد الأئمة الأربعة مع الثوري ومالك وحماد بن زيد، وقال عنه النسائي: (لا نعلم في عصر ابن المبارك أجل من ابن المبارك ولا أعلم منه ولا أجمع لكل خصلة محمودة منه) (١) وذكره ابن معين: (ما رأيت من محدث لله إلا ستة، منهم ابن المبارك. وكان ثقة عالماً متثبتاً صحيح الحديث، وكانت كتبه التي حدث بها عشرين ألفاً) (٢) قال عنه في معرض حديثه عن الوضاعين: (وبعضهم كان سليم النية يجمع كل ما أتاه على أنه صحيح، وهو في ذاته صادق، فيحدث بكل ما سمع، فيأخذه الناس عنه مخدوعين بصدقه، كالذي قيل في عبد الله بن المبارك إنه ثقة صدوق اللسان، ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر) (٣)

وبهذه الشهادة التي لفقها، وتبرع بها، قصد نقد مقالات الأئمة السابقين في ابن المبارك، أراد أن يركز في أذهان معاصريه ومن يأتي بعدهم أن هذا العالم الناقد كان من الوضاعين وأن به غفلة، وأن سلامة نيته مع صدقه كانا سبباً في رواية الباطل عنه، وانخداع الناس به.

وقد تولى الدكتور السباعي الرد عليه في ذلك، وخطأه فيما أدلى به من كلام مسلم الذي حرفه عن أصله الذي ورد به. وقال: إن عبارة مسلم في الصحيح هكذا: (حدثني ابن قهزاد قال: سمعت وهباً يقول عن سفيان عن ابن المبارك قال: بقية صدوق اللسان، ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر) (٤) و (بقية) لا ثقة هنا هو أحد المحدثين في عصره. فالكلام المستشهد به كان في ترجمة رجل آخر هو بقية، لا مقالة لمسلم يصف بها ابن المبارك. وإذا كان هذا التلاعب أو الخطأ في النقل أصلاً لما يبني عليه من تصورات وأحكام، فإن المترتب على الفاسد فاسد. وتكفي للوقوف على وجوه الرد على هذه المقالة العودة إلى كلام السباعي. (٥)

أما اعتماد الحديث بكثرة في الأحكام الشرعية وعدم اللجوء إلى المصادر العقلية في ذلك فالكلام فيه يطول. وهو مبسوط في كتب أصول الفقه، يعرفه كل من شدا مبادئ هذا الفن، أو ألم بصورة مجملة مما حرره العلماء والمؤرخون في كتب التشريع الإسلامي.


(١) ابن أبي حاتم. الجرح والتعديل. المقدمة: ٢٦٢ - ٢٨٠
(٢) السيوطي. طبقات الحفاظ: ١٢٣ رقم ٢٤٩
(٣) فجر الإسلام: ٢٦٠
(٤) السباعي. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: ٢٥٢
(٥) كتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: ٢٥٠ - ٢٥٤

<<  <  ج: ص:  >  >>