للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أثار عدد من رجال الاقتصاد الإسلامي المعاصرين هذه القضية في مسألة الربط بالمستوى العام للأسعار، واختاروا كونها فلوساً ليمهدوا بذلك لقبول الربط (١) ورأوا أن ربط المعاملات الآجلة بالنقود الورقية يؤدي إلى خداع المتعاملين بها.

وقد تبين مما تقدم ما في هذا القول من المخالفة.

الأمر الثاني- الواقع المعاصر البعيد عن التزام أحكام الشرع في كثير من الأحيان:

يلحظ المتأمل في الواقع المعاصر بصفة عامة، والواقع الاقتصادي منه بصفة خاصة أننا ابتلينا بأشياء كثيرة غريبة عنا، نبذل جهوداً طائلة ونصرف أوقاتاً فاضلة في سبيل إصلاح اعوجاجها ورتق فتوقها، وقد لا نصل إلى ما نريده من الإصلاح، والسبب في ذلك أنها أوضاع شاذة مخالفة نشأت فيها أحكام، ووجدت فيها أمور تتناسب معها، بل تعتبر منطقية بالنسبة إليها، في حين أنها غير مقبولة أصلاً في شريعتنا، ولذلك تظل محاولة تطويعها للشريعة من الأمور التي هي أشبه ما تكون بالجمع بين المتناقضات، وهذا الأمر واضح أشد الوضوح في الاقتصاد المعاصر، فإن قواعده ومجالاته نبتت في بيئات لا تلتزم بدين أصلاً، فلا غرابة إن وجدت فيها الحرية المطلقة في تثمير المال وتنميته، عن طريق المكاسب المتنوعة، حتى ولو كانت محرمة في ديننا، والربا –أخذاً وإعطاءً- مبدأ مقرر ليس فيه شبهة ولا تردد عندهم، وقد يبتكرون أنماطاً متعددة للتعامل، أو يضعون شروطاً فيما بينهم تجيزها حرية التعاقد لديهم، وتكون منسجمة تماماً مع أوضاعهم حيث لا يوجد (حلال ولا حرام) ثم تنتقل إلينا هذه المعاملة أو تلك فنصرف الجهود الكبيرة في إضفاء الصفة الشرعية عليها، ونلتمس لها من الأدلة والمؤيدات ما عساه أن يجعلها مقبولة لدينا، وقد ننجح وقد لا ننجح، وقد نتعسف الأمور في كثير من الأحيان (٢)

ولم أقصد بهذا أن نرد كل ما جاءنا عن غيرنا، بل نحن مطالبون بالأخذ بكل حسن لا يعارض ديننا مع التسليم بأننا لا نعيش في أبراج عاجية بمعزل عما يدور في هذه الحياة، ولكني أردت الإشارة إلى الصعوبات البالغة التي يتكبدها العلماء والمفكرون في مناقشة هذه الأمور الوافدة، وأنه لن يتم لهذه الأمة أمرها ولن تستقيم لها حياتها، حتى تثوب إلى رشدها وتجعل دينها حاكماً لا محكوماً، متبوعاً لا تابعاً.


(١) انظر: د. عبد الرحمن يسري: دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي، ص ٢٤٦ وما بعدها
(٢) هناك مسائل كثيرة مثل الصرف الآجل، وبيوع الاختيار وغيرها، ويمكن أن تكون مسألة الربط التي نحن بصددها من هذا القبيل أيضاً

<<  <  ج: ص:  >  >>