هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن بعض الباحثين يأخذ قولاً في مذهب مقدماً له على بقية الأقوال في المذهب نفسه من غير مناقشة أو ترجيح، فنجده مثلاً يأخذ بقول محمد بن الحسن في مسألة معينة تاركاً رأي إمام المذهب أبي حنيفة رحمه الله أو رأي أبي يوسف صاحبه، أو يأخذ برأي ابن شبرمة مثلاً، ويترك آراء جماهير العلماء من غير ترجيح، وإذا لم ننظر في مسألة الأدلة فنزن بها الأقوال، فإن المفترض أن جميع الآراء في مرتبة واحدة ولا مزية لبعضها على بعض، فتقديم بعضها على بعض من غير دليل ترجيح من غير مرجح، وهو تحكم باطل كما يقول العلماء.
ونعود بعد هذا التمهيد إلى موضوع البحث فنقول:
إن ربط الأجور بمستوى الأسعار في الدول التي مارست هذه التجربة يتم عادة عن طريقين:
الطريق الأولى: الربط الذي يتم عن طريق الاتفاقات الجماعية والتي تتحكم فيها اتحادات ونقابات العمل، ويقوم الأطراف المعنيون –أرباب العمل، وممثلو العمال- بتحديد الأجور عن طريق التفاوض، ويتم توقيع الاتفاق الجماعي بعد ذلك، ويضاف إلى الاتفاق بند ينص على أنه في أثناء سريان الاتفاق، وعلى فترات معينة يتم تعديل الأجور تلقائياً تبعاً لمؤشر قياسي متفق عليه من قبل الأطراف ذات العلاقة، ويمكن أن يكون التعديل في نهاية كل سنة، أو تبعاً لغلاء المعيشة، ويطلق على هذا الاتفاق بند التصاعد الأجري أو بند غلاء المعيشة.
الطريق الثانية: ربط يتم عن طريق القرارات الحكومية لتنظيم الأجور والرواتب ومعاشات التقاعد ونحوها لحماية هذه الدخول من التآكل الذي ينتجه التضخم، ويقصد بها أساساً موظفو الخدمة المدنية ومن في حكمهم، وتكون في بعض البلدان التي تستخدم هذا الربط كأداة سياسية حكومية للأجور مثل فرنسا، وفي البلدان التي لا يوجد فيها تفاوض جماعي عن طريق اتحادات أو نقابات (١)
(١) انظر تعقيب الدكتور صباح الدين زعيم على بحث الدكتور محمد عبد المنان (ص٥)